الثلاثاء، 15 أبريل 2014

ندوة تطور العلوم الفقهية.. خطاب للأمة وللعالم

ندوة تطور العلوم الفقهية.. خطاب للأمة وللعالم 

محمد بن سعيد الحجري 
جريدة عمان، الثلاثاﺀ 15 جمادى الآخرة/ 15 أبريل.

انقضت في الأسبوع الماضي الدورة الثالثة عشرة من ندوة تطور العلوم الفقهية، والتي ارتكز محورها الرئيس هذا العام على "المشترك الإنساني والمصالح"، بثمانية محاور فرعية وعشرات أوراق العمل والأبحاث، وبأجواء يسودها الدفئ وتغشاها المودة وتحفها السكينة، السكينة التي يبحث عنها عالمنا العربي والإسلامي خلال السنوات الماضية، ولم يبق لها موئل إلا في مثل هذه اللقاء الجامع لكل أطياف الأمة ومذاهبها ومدارسها.

كان بصحبتي ضيف عزيز في أيام الندوة هو الدكتور وليد فكري فارس مدير المعهد العالمي للوحدة الإسلامية في الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا، حاضراً الندوة للمرة الأولى، والذي التفت إليّ قائلاً بدهشة: إن هذه الندوة هي المكان الوحيد الذي أرى فيه كل المذاهب الإسلامية حاضرة ومشاركة.
وحين التقيت بآية الله أحمد مبلغي، وهو أحد علماء حوزة قم ومن ضيوف الندوة الدائمين، فأثنيت على كلمته المميزة في حفل الافتتاح رد علي: بأن ما سمعتَه هو توفيق من الباري جل وعلا لكنه توفيق يتنزل في بيئة ومناخ يرحب بهذا التوفيق الإلهي.
وبين الكلمتين أجدني أقف لأستذكر الدورات الأولى من هذه الندوة التي راحت تتطور من عناوين ذات طابع يتصل بالدراسات الفقهية العمانية، فانداحت لتصبح موسماً سنوياً جامعاً يتسع للدراسات الفقهية الإسلامية بكل تنوعها وثرائها، فرسّخ تقاليد علمية وفكرية في البناء على محاور دراسة محددة، لكن من زوايا نظر واسعة تضم إلى جانب مناهج الاستدلال والاستنباط الفقهي مناهج أخرى في الاقتصاد وعلم الاجتماع وعلوم السياسة والتاريخ وتاريخ الفكر، إضافة إلى تقاليد علمية تتصل بالمناقشة والمداولة ودراسة الأفكار.
كل ما أشرت إليه مهم إلى حد بعيد خاصة في باب إرساء وترسيخ سنن وقوانين الحوار العلمي الداخلي بين أبناء الأمة الواحدة، لكنه من ناحية أخرى ثبت مبادئ قيمية تشتد حاجة الأمة لها خاصة في هذه المرحلة من مراحل التاريخ التي تصل فيها الاستقطابات الطائفية إلى أوجها، ويراهن الكثيرون على أن لا مساحة وادعة مسالمة يمكن لعلماء الأمة أن يلتقوا فيها جميعاً دون إقصاء أو تمييز، ويراهن آخرون على أن العقد المنفرط لا جامع يجمعه ولا ناظم لتفرقه.
إن عمان أضحت يوماً بعد يوم، وسنة بعد سنة ترسخ هذه القيمة، وتبدد ذلك التصور الموهوم بعدم اللقاء، وبرهان ذلك ما نراه من مضي ثلاث عشرة دورة من دورات هذه الندوة بهذا النجاح والتوسع، وهي تضم مع توالي دوراتها وجوهًا مألوفةً ثابرت على المشاركة في الندوة منذ انطلاقها، مع وجوهٍ جديدة تنضم إلى ركب المشاركة وتوسع دائرة الحوار ومعها تتسع قاعدة البناء.
إننا نرى من علماء الأمة ومفتيها أهم الأسماء وأكثرهم نفوذاً وتأثيراً من أواسط وشرق أوربا وإلى أعماق أفريقيا، ومن شرق آسيا والعالم الإسلامي إلى غربه، وما كان هؤلاء ليلتقوا على مائدة واحدة، وعلى مادة حوار واحدة إلا ثقة بعمان وقيادتها ومؤسساتها، واطمئناناً إلى أرواح أهلها التي تنطوي على الخير للأمة ولأبنائها جميعاً، دون تسيس أو استغلال، وبعيدا عن ركوب موجة الانحيازات العمياء المدمرة، وقياماً بأمر الله بالاعتصام بحبله وعدم التفرق أولاً، وخدمة لأهم الفروض وأولاها في هذه المرحلة بإعمال الفكر والنظر وفتح مسالك المعرفة والوعي.
ناقشت الندوة هذا العام محوراً مهماً، لا نكاد نجد له في خطاب المسلمين وجوداً إلا في هذه الندوة وهو(فقه المشترك الإنساني والمصالح) الذي ينفتح على أطياف البشر جميعاً ويتكئ على أسس الجوامع الإنسانية العامة وكيف تقدرها الشريعة وكيف تتعاطى معها، ومن وراء ذلك محاور فرعية تتعلق بالعدالة ونظرية المساواة، وحقوق الإنسان في الإسلام والمواثيق الدولية، الذي درس عدداً من المواثيق الدولية من زاوية نظر فقهية، والعلاقة بين الفقه الإسلامي والقوانين العالمية الذي استعرض نماذج لقوانين عدد من أمم العالم وكيف أثر الفقه الإسلامي في صياغتها، وكيف صنع الفقه الإسلامي علاقة جدلية مع تراث الفقه العالمي.
ومن هذه المحاور تتفرع عناوين لدراسات وأبحاث مثيرة وثرية ومميزة، وضع الكثير منها على بصيرة من العلم والشعور بالمسؤولية تجاه العالم؛ هذا العالم الذي طالما تغنينا بأنه ينتظر البديل وأنه يبحث عن الخلاص!، ولا أزال أذكر ذلك النقاش العميق حول مبدأ الكرامة الإنسانية بين جمع من العلماء والباحثين المخضرمين والذي قاد إليه أحد محاور الندوة حول "السياسة الشرعية وفقه المشترك الإنساني" والذي انتهى إلى تثبيت حقيقة أن الكرامة متحققة لبني الإنسان من حيث كونهم بشراً أولاً بنص الكتاب العزيز "ولقد كرمنا بني آدم"، وأن تفاوت الناس بعد ذلك أمام الله في مراتب الإيمان والفضيلة.
إن مثل هذه المنطلقات الإيمانية المنفتحة على خير البشر جميعاً باعتبار أن المهمة الخالدة لرسول الإسلام هي ما حدده الله بقوله :"وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"، هذه المنطلقات التي تصدر عن مبدأ الخير العام وحق الإنسان في الكرامة والعدالة والحرية والمشاركة، هذه المنطلقات هي التي يمكن أن تهيئ لخطاب بديل، يصلح الخلل أولاً في وعي المسلمين ذاتهم بالدين، قبل أن نقدمه للعالم، لنمتلك نحن المسلمين أولاً الحد الأدنى من المصداقية حين نتحدث عن الكرامة والحرية والعدالة والشورى وحق المشاركة وحقوق الإنسان، هذه العناوين الكبرى التي تولّى غيرنا التبشير بها في العالم؛ وأقول إننا نحن المسلمين أولى بإعادة الوعي بها ليس لأن مصداقيتنا تجاه العالم تقوم عليها فحسب، بل لأن هذه القيم الكبرى انتهكت بين أبناء المسلمين ذاتهم إلى أقصى حدود الانتهاك، فكيف سنتحدث عن الإخاء الإنساني ومن أبناء المسلمين من لم يعترف بالأخوة الإسلامية؟! أو ضيقها إلى الحد الذي لم تعد فيه متجاوزة لأخوّته لنفسه!!، وكيف سنتحدث عن الكرامة الإنسانية إلى العالم وبعض الأفكار التكفيرية الضيقة تبحث عن أدنى ذريعة للفتك بالإنسان المسلم قبل غيره، وتستحل دمه وماله وعرضه عند أدنى مستوى من مستويات الخلاف سياسياً كان أم مذهبياً؟! 
إن هذه الندوة الجامعة التي ألّفت علماء المسلمين في مقام واحد، هو مقام المسؤولية الإلهية تجاه الأمة وتجاه العالم هي التي يمكن أن تصنع بمثابرتها وجهدها ذلك البديل وتبشر بدعوة الخير، وما ذلك لأن التنظير وإطلاق الخطابات سهل! بل لأن المناخ الذي تحط فيه والبيئة التي تأوي إليها بيئة اختارت أن تجمع ولا تفرق وتؤلف ولا تشتت، فلم تسهم إلا بكلمة الخير، ومساعي السلم، وداعي البر، وتلك أكبر مراتب المصداقية والمسؤولية في أن يصدق العملُ القولَ، وتلك هي القاعدة الصلبة التي تقول للعالم إن المسلمين لهم نماذجهم الخيرة التي يقدمونها للعالم مثلما يقدمون خطابهم له.

هناك 3 تعليقات:

  1. مطلق المطيري لم يأتي لعمان محتلا ابداااا ولم يرفع علم ولم يولى واليا فالاقطار التى دخلها وانما أتى بدعوة محمد رسول الله قبلها من قبلها ورفصها من رفضها

    ردحذف
  2. مطلق المطيري لم يأتي لعمان محتلا ابداااا ولم يرفع علم ولم يولى واليا فالاقطار التى دخلها وانما أتى بدعوة محمد رسول الله قبلها من قبلها ورفصها من رفضها

    ردحذف
  3. مطلق المطيري لم يأتي لعمان محتلا ابداااا ولم يرفع علم ولم يولى واليا فالاقطار التى دخلها وانما أتى بدعوة محمد رسول الله قبلها من قبلها ورفصها من رفضها

    ردحذف