الاثنين، 21 مارس 2011

الصحافة و الإعلام في سياق الإصلاح العماني - جريدة الرؤية . 20 / مارس

الصحافة و الإعلام في سياق الإصلاح العماني
جريدة الرؤية . 20 / مارس

الصحافة و المنظومة الإعلامية عامة هي إحدى الضمانات المهمة لاستمرار الإنجاز ، و حراسة التوجه الإصلاحي الذي اختطته السلطنة ،  بتلاقي تطلع الشعب و استجابة القائد المفدى حفظه الله و رعاه ، فهذا التوجه الإصلاحي الذي يفتح لعمان صفحة تاريخية جديدة يحتاج إلى صيانة و حراسة أمام التحديات القادمة ومنها سوء الإدارة و انتهازية الفساد ، و سواهما من التحديات ، و هو ما يقتضي من كل الأقلام الصحفية و الكتاب ، و المحللين السياسيين و الاقتصاديين ،           والمفكرين أن يلتزموا أقصى درجات المسؤولية في الكتابة التي تسمي الأشياء بمسمياتها ، و تكشف الحقائق ، و تكون رقيباً على الأداء المالي و الإداري ، و تمثيلاً لشراكة المجتمع في الشأن العام ، خاصة و نحن نعبر مرحلة تحولات ، و مراحل التحول في حياة الشعوب هي مراحل حساسة و حرجة.
من المهم أن يصنع الإعلام و الصحافة تحولاً في جرأة الطرح ، من المهم جداً أن يدفع باتجاه مراجعة جميع القوانين المتعلقة بحرية التعبير و النشر ، و إذا كنا جميعاً نقول ــ و نؤمن بما نقول ــ بأن كل ما حدث من تحولات و تغييرات و إصلاح هو تحول جذري و حتمية تاريخية بدأ وقت دخولها ، و لا مجال أمام الجميع إلا بالتعاطي الإيجابي معها ، إذ كنا نقول ذلك فإن أول برهان على جدية هذا التحول لابد أن ينعكس على حرية الصحافة و الإعلام في معالجة الشأن العام ، فلم يعد ثمة فرصة لتكرار الأخطاء السابقة التي استمرأت ـ في كثير من الأحيان ــ إخفاء الحقائق أكثر من إظهارها ، أو احترفت إعادة صياغتها لتقليل خيبة الأمل بها ، حان الوقت لنعتني بتجميل الحقيقة أكثر من تجميل الصورة ، و فكرة تجميل الحقيقة لا تجميل الصورة ، كم قد نادينا بها ، و كم قد دار حولها من جدل ، و من المؤسف هنا أننا لا يمكن أن نناقش هذا الموضوع بمعزل عن الأخطاء التي سبق أن ارتكبت من قبل خشية أن تتكرر ، و هنا أدعوا كل الإخوة الاعلاميين لاحتمال صدمة العتب التي يحملها الشارع العماني تجاههم ، و سنحتاج لقدر كبير من السماحة و سعة الصدور لاستيعاب كل هذا التطلع للتعبير بحرية ترفع القيود غير الضرورية ، و قد تكون هناك أخطاء في ممارسة هذه الحرية نظراً للرغبة في التنفيس و التعبير، و نظراً أيضاً لعدم وضوح حدود التعبير التي سيستحيل عليها أن تتحرك ضمن القوانين القديمة ، و لذلك لابد من القول بأن مراجعة شاملة و سريعة للقوانين المتعلقة بحرية التعبير و النشر هو أمر ضروري و ملح الآن ، و لا بد أن تنمي صحافتنا مهاراتها في ممارسة حرية التعبير باحتراف و مسؤولية .
و عدا عن الإسهام الأساسي للإعلام و الصحافة في حراسة مسار الإصلاح العماني ، فإن مهمتها أساسية أيضاً في الإصغاء لنبض الشارع و توسيع مساحات الحوار خاصة مع الشباب ، إنه أمر مهم للغاية و مصيري دون مبالغة ، فلا بد أن يجد الجميع متنفسهم في صحافة و إعلام حر ينقل همومهم و يسمح لهم بمناقشة قضايا وطنهم ، و يعطيهم الفرصة الكاملة للمشاركة في تصور المستقبل.
إن المناخ الطبيعي الذي يمارس فيه الناس حرية التعبير هو الصحافة و الإعلام و محافل الرأي العام ، حيث يكون الناس شركاء في تلقي الكلمة ،ومعها شعور المسؤولية خاصة عندما تكون مكتوبة ، فالكتابة لا تنقل الفكرة فحسب بل تنظمها و تهذبها أيضاً ، و إذا كان العديدون يدعون اليوم لحوار وطني جاد و مفتوح ، فإن أول بوابة له هي الصحافة و الإعلام التي لا بد لها أن توسع صفحات الرأي ، و تنفتح على الشباب خاصة ، و أعتقد أن الوقت حان منذ زمن بعيد لفتح هذه الحصون ، و لم يعد ثمة مبرر لإبقاء الوضع على ما هو عليه ، فهو يبدو خارج سياق التاريخ ـ إلا في حالات قليلة ـ!! .
الصحافة و الإعلام أيضاً هما حراس الأمل ، الأمل بالمستقبل الذي تحتاجه عمان في هذه المرحلة ، و هو أمل صادق بعون الله و توفيقه ، ثم بعزيمة العمانيين التي تبدو متوقدة بروح الوطنية ، و بقيادتهم التاريخية التي قدر الله لها أن تقودهم في لحظتين فارقتين من التاريخ ، و هي المؤتمنة على مستقبل عمان اليوم ، و هي محل الثقة و الاحترام و الحب و الولاء .

السبت، 19 مارس 2011

حول الاعتصامات - عمان ستجد معادلتها الجديدة

حول الاعتصامات - ستجد عمان معادلتها الجديدة

خلال الأسبوعين الماضيين تحقق لعمان الكثير ، و ما تحقق هو نتيجة لهذا التناغم و التلاقي بين تطلعات الشعب و توجه القيادة ، و ما كان لهذا الإنجاز ليتم لولا هذا التكامل و التفهم و التفاهم ، و لذلك لابد أن نحرص على أن يدوم و يستمر هذا التكامل بمزيد من تشبثنا بثوابتنا الوطنية المتمثلة في وحدة الشعب و وحدة الأرض و وحدة القيادة و الهوية العربية الإسلامية لهذا الوطن ، و كذلك بمزيد من تعزيز الثقة و استحضار فكر البناء .
لقد تمحور هذا الإنجاز في ثلاثة عناوين رئيسية أولها : الدخول في مرحلة الإصلاح المعتمدة على مزيد من المشاركة في صناع القرار عبر صلاحيات رقابة و تشريعية لمجلس عمان ، بما يدعم محاربة الفساد  بمزيد من الشفافية و النزاهة في إدارة المال العام ، و يتوجه بنا إلى مزيد من العدالة الاجتماعية ، و المبادرات التي تهدف إلى تحسين المستوى المعيشي للعمانيين ، و السعي للقضاء على العطالة ، و غير ذلك من العناوين الإصلاحية المهمة ، وكلها ينبغي أن تستمر و أن تتوالى. و ثاني هذه العناصر هو قدرة الإنسان العماني على التعبير عن مطالبه و حقوقه بالوسائل السلمية المشروعة و منها الاعتصامات و المسيرات السلمية ، و ثالثها هو روح الوطنية العمانية التي تنبث بين العمانيين اليوم ومعها روح المسؤولية الوطنية .
* حاجتنا للإصلاح الشامل:
يرى الكثيرون بأن هناك حالة عشوائية متفشية من الاعتصامات و الإضرابات في كثير من المؤسسات و الدوائر و الهيئات العامة و الخاصة ، و القراءة الفاحصة لهذه الحالة تؤكد ــ في كثير من الحالات ــ وجود أخطاء متراكمة و ظلامات و خلل ، و تشير إلى فشل كثير من المسؤولين ، و فشل طرقهم في إدارة الأمور ، و أتصور أن الجميع يوافق على هذه الحقيقة ، لكني أرى أن هذا الأمر يؤكد قطعاً حاجتنا إلى عملية مراجعة و إصلاح شامل واسعة ، تطال كل البنى و الهياكل ، و على رأسها : النظام التعليمي المسؤول عن تكوين المواطن العماني و تأهيله ، و تربيته ، و المنظومة الإعلامية و القوانين المتعلقة بحرية التعبير، و منظومة الخطاب الديني .
لكن الإصلاح كما يعلم الجميع هو مسيرة طويلة و عمل مستمر و مفتوح يحتاج إلى جهد كبير و ممتد "إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت" ، و هو في الكثير من مطالبه يحتاج أيضاً إلى عمل مخطط و مدروس و إلى حذر في اتخاذ القرار و أناة و صبر.
و مراحل التغيير في حياة الشعوب هي من أكثر المراحل حرجاً و خطراً ، و هي تتطلب منا جميعاً الأناة و اليقظة و الرفق و تقدير عواقب الأمور .

* الاعتصامات و الأسئلة المشروعة :
الاعتصامات السلمية و المسيرات كانت أداة المطالبة بالتغيير و بالحقوق ، وقد أدت دورها المشهود في ذلك في إيصال الرسالة و تبيان الحقائق ، و قد أقرتها القوانين و كافة أجهزة الدولة رحبت بها بهذا الاعتبار ، و الكثيرون منا كانوا جزءاً منها ، لأن الهم عماني و لأن المطالب عمانية ، و لأنها قضية وطن نبتنا من ترابه ، و خلايانا تنبض بحبه، و لأن ما ننشده جميعاً هو الخير لعمان .
و لئن كانت التحية و الاحترام اليوم واجب لكل قلب و عقل و لسان هتف لعمان و أراد لها الإصلاح ، و سعى من أجل ذلك بأي وسيلة و طريق ، فإن كل شيء يشير إلى أن حركة التغيير قد بدأت ، و عملية الإصلاح جارية و لن تتوقف إن شاء الله ، و أدواتها قد بدأت في العمل ، و فعاليتها و توجهها رهن بتحمل كل منا مسؤوليته في إبقائها على الطريق السليم حتى لا تتباطأ أو تتعطل بسوء الإدارة أو بانتهازية الفساد .
و في ذات الوقت ينفتح التساؤل حول الاعتصامات ، وهو سؤال مشروع ، إذ كلنا ينبغي أن يكون الآن جزءاً من عملية الإصلاح و حركة التغيير التي نريد لها جميعاً أن تكون منتظمة و منضبطة حتى لا نقع في الفوضى و التخبط ، و هناك أمران في غاية الأهمية يحيطان بهذا السياق ، أولها أن ننظر إليها باعتبارها وسيلة و قد آتت ثمارها بحمد الله، و أتصور أن لا أحد يوافق على تحويلها إلى غاية أو هدف في حد ذاتها . و الناحية الأخرى أن هناك كثيراً من الاختلاطات في الأهداف و المطالب و حدود تلك المطالب ، فمنها ما هو عام و منها ما هو خاص و تفصيلي ، و منها ما يتعلق بفئات أو بشرائح،  و جميع هؤلاء لهم مطالب مشروعة ، لهم كل الحق بالمطالبة بها ، لكن الأمر يحتاج إلى شيء من الترشيد و التدريج .
* أسبوع الحصول على المطالب :
و على مستوى الواقع فإن الاعتصامات إحدى وسائل المطالبة و ليست كلها ، و من المؤكد أن بعض المطالب قد يبلى بسهولة ، لكن بعضها يرتبط بنواحي التخطيط و الموازنات ، و التوازنات الاقتصادية التي قد تتعلق بحياة كل واحد منا ،و هذه العملية تحتاج إلى أناة و صبر و تخطيط مدروس ، إذ أن الإصلاح لا يأتي دفعة واحدة فذلك ضد طبائع الأشياء.
نقول هذا مرة أخرى لأن بعض الاقتصاديين قد بدأوا في إنذارنا بأن هذه الحالة المتفشية من الاعتصامات و الإضرابات قد تحدث أضراراً بليغة في بنية الاقتصاد الوطني إن لم يتم احتواءها ، خاصة إذا ما طالت مصادر الدخل الرئيسية ، مما قد يعرض للتبخر مطالب تحسين الأوضاع المعيشية ، و رفع دخل الفرد ، و القضاء على العطالة ،و أحلام الرخاء ، هذا عدا عن اتخاذ القرارات في أجواء التوتر هذه هو أمر محفوف بمخاطر الخطأ .
فعلى سبيل المثال إن أي مؤسسة تجارية أو صناعية يعتصم موظفوها اليوم ليطالبوا مطالبة مشروعة بحقهم ، ثم تقوم بتلبية مطالبهم ، فإن الأمر لن يتوقف عند هذا الحد ، فنحن لا نملك ضمانات من أنها  قد تلجأ إلى مخارج أخرى تعوض بها ما قدمته من تنازلات لموظفيها أو حقوق تأخر إعطاؤها لهم ، و قد يدفعها ذلك إلى رفع أسعار منتجاتها لأن أسعار التكلفة قد زادت ، و هو ما قد يؤدي إلى حالة من الغلاء المفاجئ الذي يضر بزيادة الدخل التي حدثت نتيجة للأوامر و القرارات الأخيرة ، المهم هنا أن نعلم بأن الأمور متشابكة إلى حد بعيد و تحتاج إلى توازنات دقيقة و حساسة.
و ما يزيد الأمر صعوبة أن مؤسسات المجتمع المدني و العمل النقابي و الروابط النقابية ما تزال هشة و في بدايتها ، مما يجعل الأمر عشوائيا و غير منتظم و عرضة للتوجهات و الاجتهادات الشخصية.
الملخص هنا أننا لا يجب أن نتصرف و كأنه أسبوع الحصول على الحقوق و تحصيل المطالب ، أو أنها فرصة ليس بعدها فرصة ، و كأن أيام عمان القادمة لن يكون فيها إحقاق للحقوق ، أو ترسيخ للعدالة ، أو تأكيد على العدالة الاجتماعية ، فالأيام القادمة تحمل الخير لعمان إن شاء الله ، و حركة الإصلاح أصبحت جزءاً من يومياتنا العمانية ،  و هناك الكثير من النوايا الطيبة التي تريد للعمل الإصلاحي أن يتوسع و أن يمتد لكل شيء ، و هذا أمر طيب و لكن النوايا الطيبة وحدها لا تكفي ، إذ نحتاج للعمل المخطط المدروس ، و الجهد المركز و هو ما يحتاج إلى وقت و أناة، فأجواء التوتر و الانفعال ليست ميداناً للعمل الدقيق و الصائب و المتوازن ، إن البناء غير ممكن في ساحة الحريق .
* اختلاط النيات و المقاصد و الحاجة للترشيد :
و عدا عن ذلك فقد اختلطت الأمور كثيراً ، وأصبح التمييز بين الاعتصامات السلمية و أعمال التخريب و إعاقة المصالح العامة و قطع الطريق أصبح التمييز بينها أمراً يصعب على الكثيرين ، و يتمثل أحدهم بالقول القديم بأن :" الذي يفصل بين الجنون و العقل شعرة "!! و سمعنا عن ثقافة اعتصام مغلوطة تغزو مدارسنا التي خرب بعضها من قبل طلاب يحتجون على المقصف المدرسي ، و يستلزم ترميمها آلاف الريالات !! و عن أعمال قطع طريق بحجة الاعتصام و قد رأينا بعضها ، و بقدر ما أن الأمر يدعو للدهشة و الأسف فإنه ينبهنا إلى حاجتنا إلى إصلاح شامل ، بل و إلى تعليم ثقافة احتجاج سلمي صحيحة ضمن خطوات و درجات ، تجعل الأمر يحضى ببعض النظام و الجدوى .
و وسط كل هذا الاختلاط و تقاطع المصالح تتضرر القضية الأساسية التي نادت بها الاعتصامات السلمية و تشوه حقيقتها ، و تجعلها ورقة محروقة و مبتذلة الاستخدام حتى تفقد جدواها، هذا عدا عن نسبة الخطورة العالية التي تشكلها أجواء التوتر و الاحتقان .
* أي اعتصام نريد؟ و العيون على المستقبل .
أتصور اليوم أن غالبية العمانيين مقتنعون بأن الإصلاح هو واقع الحال في عمان ، و أن علينا جميعاً اليوم أن نتحمل المسؤولية كي تكون عملية الإصلاح شاملة و مستمرة و عميقة ، ومعها ستحل تلقائياً كل تلك القضايا الفرعية و التفصيلية التي تنادي بها بعض الاعتصامات هنا و هناك ، لأن عملية الإصلاح ستوجد آليات معالجة داخلية تتعامل معها.
أعتقد أن ما نحتاجه اليوم هو اعتصام من نوع آخر " و اعتصموا بحبل الله جميعاً و لا تفرقوا " ، حان الوقت لنعتصم جميعاً بحبل الله أيها العمانيون ، و لنكون معاً ــ كآبائنا ــ مع القائد الباني حفظه الله و رعاه يداً بيد ، عوناً و مدداً و مسؤولية ، لتجديد النهضة العمانية على أسس جديدة بدأت تتبلور ، و لدى عمان كل الفرصة و الإمكانات و الموارد و الثوابت الوطنية ، و روح التجديد التي يدفعها الشباب ، و الروح الوطنية العالية ، و القيادة التاريخية المجمع عليها و التي يأتلف معها شعبها ، و إن أجدنا جميعاً إدارة هذه الفرصة ، و اعتصمنا بحبل الله جميعاً ، فإن هذا هو ما سيجعل مستقبل عمان أجمل و أرحب و أكثر عدلاً و حرية و اطمئناناً و استقراراً ، و عمان من وسط هذا كله ستجد معادلتها الجديدة بعون الله و توفيقه و حفظه .
محمد بن سعيد الحجري

الثلاثاء، 8 مارس 2011

الثوابت التي تحمي عمان .. جريدة عمان 8 مارس 2011

الثوابت التي تحمي عمان

     تشدنا الأزمات للحديث عن الثوابت الوطنية و الرموز الوطنية ربما لأنها الجوامع التي تجمع الوطن و تحمي وحدته و انسجام مكوناته و وحدة هدفه و نظامه ، و لذلك تكون هي الملجأ و المفزع الذي نتشبث به عند الشدائد ،  و هذا هو الذي يحمينا نحن العمانيين و وطننا و نحن ندخل محنة لنتجاوزها إن شاء الله ، و نخرج منها بأفضل النتائج و بأسس جديدة للعمل الوطني قوامها مزيد من الشراكة ، و مزيد من الانفتاح ، و ترسيخ للعدالة الاجتماعية ، و مزيد من الشفافية ، و مزيد من النزاهة ، و مزيد من التوجه نحو دولة المؤسسات و القانون .
إن وحدة الأرض ، و وحدة الشعب ، و وحدة القيادة ، و وحدة التاريخ و المصير و المستقبل ، هي ثوابت لا يحيد عنها العمانيون و هي سر تميز نموذجهم في التغيير ، مع ثوابت أخرى أساسية تجمعنا مع غيرنا من الأخوة في العالمين العربي و الإسلامي تقوم على الدين و اللغة و الثقافة. 

و في هذه الأزمة التي اختلطت فيها الرؤى و التأويلات و العوامل و الأسباب ، و الأهداف ، و تعددت رؤية كل منا للخروج منها ، كان هناك اختبار آخر لهذه الثوابت التي أجمعنا كلنا على صيانتها و احترامها ، لأن الإضرار بها بأي طريقة مباشرة أو غير مباشرة يعرضنا للخطر ، فهي التي تلم الشمل و تنظم العقد، و هي في أوقات الشدائد تحمينا من الوقوع في براثن الفوضى و التخبط .. و أعتقد أن المجتمع العماني نجح بجدارة في حمايتها و الالتفاف حولها و علينا جميعاً أن نصر على ذلك.
*الشباب العماني.. فيضان الإخلاص لا يلغي روح المسؤولية:
ما يحدث لدينا الآن ليس تقليداً أو موضة أو عدوى كما أخطأ البعض في تصنيفها ، في الحقيقة هي استحقاق مرحلة ضمن تغييرات تاريخية على مستوى الوعي ، إنها طبيعة الأشياء و سنن الحياة .. و لذا فإن الحل هو في استيعابها ، و التعاطي معها ، و تفهمها و جعلها طاقة للانطلاق إلى الأمام ، و ليس الحل في الوقوف أمامها أو مواجهتها ، لأنها استحقاق كان لابد من دخوله عاجلاً أم آجلاً.
لكن من طبيعة الأشياء و سنن الحياة و نواميسها أيضاً أن لا يكون التغيير دفعة واحدة فذلك ضد طبيعة الأشياء و سنن التغيير ، و لذا ــ مرة أخرى ــ لا مناص لنا من التشبث بالثوابت الوطنية ، و احترامها ، و استشعار روح المسؤولية منا جميعاً ، ذلك هو ضمانة عبور الأزمة إن شاء الله ، فالأزمات تستجيش المسؤوليات ــ هكذا ينبغي ــ و أعتقد أننا جميعاً انغمسنا في الشعور بالأزمة ، و في الشعور بالمسؤولية ، و لربما تعددت الاجتهادات في توجيه العمل المبني على هذه المسؤولية ، لكن حماية السلم و التضامن و الإجماع الوطني هو أول المسؤوليات ، و الإيمان بضرورة الإصلاح المستمر هو من أهم المسؤوليات ، بل هو نتيجة طبيعية للانتماء للوطن و الإخلاص للوطن و القائد، و الشباب العماني المليء بالإخلاص لعمان إلى حد الفيضان ، و المجتمع و الدولة كلنا جميعاً  لابد لنا أن نضطلع جميعاً بمهامنا في الاتجاهين ، في اتجاه الإصلاح المستمر ، بكل ما يتطلبه من وعي و يقظة و حكمة و تدرج ، و في اتجاه حماية الثوابت الوطنية التي هي الإطار الوقائي ، و كلنا ثقة في أن جلالة القائد المفدى ــ حفظه الله ــ في أنه سيقود هذا الشعب نحو تطلعاته الجديدة ، بروح كانت و لا تزال إصلاحية ، و ستجد عمان بعون الله معادلتها الجديدة التي تتطلبها المرحلة و تحتمها استحقاقاتها .
و قد بدت المبادرات و الأوامر السامية خلال الأيام الماضية ملامسة للوجدان و الروح العمانية ، و بدأت في إشاعة أجواء التفاؤل بأن طريق الإصلاح هو طريق المستقبل لعمان ، و هناك تطلع للمزيد منها من أجل تعزيز هذا التفاؤل ، و ترسيخ حقيقة أن عمان فوق كل اعتبار أو موقع أو مركز أو اسم ، و رغم أن القلق لا يزال يساور البعض منا ، إلا أن عزماً أكيداً يلوح بأن كل شيء يبحث عن موعده، وكما نحتاج اليوم إلى التصميم و الإرادة العمانية ، فإننا نحتاج إلى الصبر و الأناة العمانية أيضاً.

الثلاثاء، 1 مارس 2011

الإصلاح المستمر إيمان بعمان و ثقة بقيادتها ... نشر في جريدة عمان 1/ مارس / 2011

الإصلاح المستمر إيمان بعمان و ثقة بقيادتها

إن الأسف و الحزن و رفض إراقة الدماء و التعبير عنه جدير بنا هنا ، ذلك حق الدين و الوطن و حق الأخوة فيهما ، لكن ما هو الجدير بنا أيضاً هو الوثوق بالذات الوطنية و الإيمان بقدرتها على تجاوز أي محنة أو تحد ، و ذلك الوثوق هو بالنسبة لي مسلمة من مسلمات المعرفة بعمان و بأهلها و بسلطانها الذي يحكمها.
في عمان نوع من الوعي بعقد اجتماعي قوامه الرحمة و الاحترام و التعاطف و الانسجام ، و من لا يعيه و لا يستجيب له يكون استثناءاً يحيده المسار تلقائيا و هو في طريقه ليصنع التاريخ و يلبي استحقاقات المستقبل و ضرورات التطوير . وحدهم من لا يعون كيف تتبدل متغيرات المجتمعات و التاريخ  لا يدركون ذلك ، و يظنون أن الفلج راكد بينما المياه التي لا تفتأ تجري تحت القنطرة .
و في عبارة تكاد تكون معترضة أقول: إن من المؤسف حقاً أن يكون أصحاب الرؤية الأمنية الضيقة ــ لعوامل شتى ــ هم آخر من يدرك ذلك و آخر من يستجيب لاستحقاقات حتمية لا مناص من دخولها .
و بعد ذلك ها قد حدث ما حدث ، فماذا بعد؟ فإذا كانت القلوب ــ لحب عمان و أهلها ــ تكاد تبلغ من البعض الحناجر، فإن العقول و الأحلام راسخة و ثابتة ثبات الجبل الأخضر و سمحان و قهوان ، و لكنه ثبات لا يمنع الغيم من المرور و لا المطر من النزول ، و في الحكمة العمانية ، و ما تراكم من تجربة التاريخ و صروف الدهر ما يغنينا عن اتباع سنن من قبلنا ، و إذا كانت استحقاقات التطوير و الإصلاح سنة طبيعية لا مناص منها فإن في رصيد الوحدة الوطنية ، و الائتلاف على القيادة  و الوثوق بها ، و الإجماع على الثوابت الوطنية ،  التي ترسخت خلال أربعين عاماً صمام أمان يحرس المسار و يعطينا الفرصة الحقيقية للمضي في طريق النهضة بأمان و ثبات ، بل و صناعة نهضة ثانية.
لسنا دولة حديثة النشأة ، و عمان ليست منتجاً صنعته خطوط في خرائط الاستعمار ، إنها عمان ــ أيها الناس ــ عمان الإنسان و الدين و التاريخ و الثقافة و الموقع و الطاقات و الإمكانات و المستقبل ، و في الحقيقة إن التحليق في سماء عمان لا يكفي ، كما لا يخلد الإنسان العماني إلى الأرض ، لكنه يمشي في مناكبها ــ بل و في مناكب غيرها ــ إعماراً وبناء ً و ثقافة إنتاجاً ، و ينظر  في الواقع و يتأمله و يدرس متغيراته ليبني عليها رؤاه و تصوراته للمستقبل .

أقول و ماذا بعد ؟
ربما تحدثنا و تحدث الكثيرون ــ وكانوا على حق ــ في ساعة اليسرة ، بينما نجد أنفسنا اليوم متحدثين في ساعة العسرة و بعضنا يكاد يقول : " فلا تشمت بي الأعداء" . و في ساعة العسرة يمتاز "الخبيث من الطيب" و العدو من الصديق و "المفسد من المصلح" فبينما يبقى التعبير عن الرأي بأساليبه الحضارية أمراً لا جدال فيه ، سيحيل الوعي و الحكمة من يقوم بعمليات التخريب و الإضرار بالممتلكات العامة إلى مجموعة معزولة و منبوذة و متبرأ منها ، و نحن شعب كسائر الناس  فينا من ألوان الأرض و طبائعها ، لكني أومن بروح عمانية تجمع هذا الشعب .
و لعلها لحظة الصدق مع هذه الروح و الذات الوطنية و مع القيادة التي بذلت حياتها و شبابها و جهدها لعمان و أهلها .
إن الإجراءات هي قرارات عاجلة و لكنها في أقصى درجات الأهمية خاصة في أوقات الأزمات فهي تبشر بالسياسات و هي سبيل إلى الحلول الجذرية و المآلات الطبيعية لسنن تطور الشعوب و الأمم ، و من أهم الإجراءات التي نجدها أمراً ضروريا ً يتجاوز بنا الموقف و يهدئ النفوس و يوطد الأمن هو المحاسبة القضائية التي هي أهم ضمانات دولة العدل و القانون ، و الذي ينتج عن تحقيق قضائي مستقل لكل من تسبب في استخدام العنف و إراقة الدماء ، أو أساء إدارة الموقف ، أو تعرض بالتخريب للمؤسسات و الأملاك العامة و الخاصة .
هذا مع سلسلة الإجراءات و الخطوات المهمة التي نهض بها صاحب الجلالة سلطان البلاد المعظم ، و كلها ضمانة و  دليل على أن طريق الإصلاح هو طريق المستقبل لعمان ، و تثبيت  لقيم التراحم التلاحم و التفاهم  التي أسست للنهضة العمانية ، و حماية لها حتى تؤسس من جديد للمستقبل ، و حماية من قصور النظر و سوء تقدير الأمور ، و حراسة لها من ضعف الوعي بمستجدات الحياة و تطوراتها .
و حين تطمئن النفوس و يهدأ الوجدان العماني ، لا بد أن يأتي المضي في طريق الإصلاح وصولاً إلى ترسيخ دعائم دولة المؤسسات و القانون، و كم أثبت التاريخ مجد القادة الذين يقودون نهضات و حركات إصلاح أولى و ثانية ، و ما ذلك إلا إدراك لطبيعة التطور البشري و حتمياته اللازمة التي يأتي مجتمع المعرفة في عصرنا ليجعلها متقاربة لا يفصل بينها فاصل زمني كبير ، بل إن مفهوم الزمن بذاته تغير فلم يعد هو الذي يعرف من قبل ، و مجتمع المعرفة متغير مهم كثف الزمن و أدخل المجتمعات بسرعة في طور التعقيد .
و مطالب الإصلاح كثيرة حملتها العرائض و المنتديات الالكترونية و أفكار المشاريع التي قدمت ، و كلها رفعها المخلصون لعمان و لقائدها إيماناً بعمان و ثقة بقائدها ، بعضهم أوصلها إلى عشرات المطالب و بعضهم أوجزها دون ذلك في بنود مهمة تكون منطلقات لإصلاحات تفصيلة تأتي تباعاً ، و بعضها يمكن الشروع فيه ، و بعضها يحتاج للصياغات و المعالجات و الدراسة المتأنية التي لا بد من برمجتها ، مع الاحتياط لعامل الزمن الذي هو جزء من المعادلة .
لكن أهمها و أكثرها إلحاحاً و حساسية هو مطلب مكافحة الفساد ، بل إن هذا المطلب كثيراً ما يكون دافعاً لمطالب أخرى لاتصاله بمفهوم العدالة الاجتماعية و حماية المال العام ، و مبدأ توزيع الثروة ، و لكونه على المستويات الإدارية العليا مبرر لنزوله إلى المستويات الإدارية الدنيا فالفساد يبرر الفساد ، و لخوف من أن استمراره يؤدي إلى نشوء منظومات الفساد و "كورتيلاته" التي أثبتت تجارب شعوب أخرى أنها اختطفت الأوطان و الشعوب .
و أمام هذا المطلب دعونا نستذكر معاً الخطاب التاريخي لصاحب الجلالة السلطان المعظم في الخامس من نوفمبر 2008، الذي جاء ليحذر من الفساد و من قد يتورط فيه ، و ليضع الجميع أمام مسؤوليتهم في عبارات حاسمة و صارمة ، لقد كان ذلك الخطاب سياسياً مبدئيا من الدرجة الأولى ، جاء ليضع خطوط السياسة ، و السياسة لها أدواتها و مسؤوليتها و مسؤوليها التنفيذيين ، و هنا يأتي التساؤل هل نهضت الأدوات المؤسسية الإدارية و القضائية بواجبها في السير على خطوط الخطاب ؟ و هل طبقت مفاهيمه و مراميه بجدية و التزام؟ و لماذا لا تزال هذه المسألة مثار الجدل و الإحباط و الإزعاج لكل المخلصين لهذا الوطن؟
و مع الخطاب السامي في نوفمبر 2008 و قبله  و بعده يأتي النظام الأساسي للدولة و ما تفرع عنه من قوانين و نظم و لوائح و كلها تدين الفساد و نصوصها تحاصر الفاسدين و المفسدين ، و ها نحن نمتلك منظومة قانونية تمثل المشروعية و الشرعية لمواجهة الفساد و محاصرته و إيقاف ضرره بالمال العام و ضرره بالروح العمانية ، فما أجدر أن نمضي في ذلك قدماً.
و اليوم لدينا كل الفرصة و كل العوامل و الإمكانات و أهمها الوحدة الوطنية التي هي في أقوى حالاتها ، و ينبغي أن تكون كذلك دائماً ، و أن نحميها بأغلى ما نملك ، و من أهمها الائتلاف على القيادة و الثقة بها و بقدرتها و بتفهمها و بعد نظرها ، و من أهمها أجيال متطلعة للعلم و للمعرفة و للعمل و الإنتاج ، و التي تريد منا نظاماً تعليمياً يكافئ استعداداتها و تطلعاتها ، و تحتاج لسوق عمل نشط و مستوعب يكون تابعاً لاحقاً للنظام التعليمي و ليس العكس. و بذلك كله سنتجاوز أي محنة ، و سنخرج من أي تحد و نحن أقوى و أكثر تشبثاً بعمانيتنا و أكثر إيماناً بها و ثقة بالمستقبل إن شاء الله .
" و الله يعلم المفسد من المصلح "