الأربعاء، 13 أبريل 2011

عمان و د. محمد العوضي في مقال له : نافق... أو... وافق... وإلا ففارق!!

قبل أيام كتب الصديق الشيخ الدكتور محمد العوضي مقالاً في جريدة الرأي الكويتية في عموده "خواطر قلم " رافضاً فيه لغة الاصطفافات المذهبية التي تطفوا إحياناً على السطح خاصة في هذا الطور الحرج الذي تمر به أقطار أمتنا ، و المقال انطلق من جهده النبيل و الدؤوب لتبديد المذهبية المنغلقة التي يدفع بها البعض ، و إعلاء قيمة التعايش و التعاون ، و تقديم عمان كنموذج لهذا التعايش و الانسجام الذي نسعى جميعاً لترسيخه و نقل تجربته إلى سائر أقطار أمتنا ، و هو يعرج على منطق الرفض لثقافة التعايش و الإنسجام الذي يطلب منك إحد خيارات ثلاثة : نافق ، أو وافق ، و إلا ففارق ، و الذي نراه ينتقل اليوم للأسف إلى مجالات خلاف أخرى تتعلق بالرؤى السياسية و الاجتماعية أيضاً.
إليكم المقال :
قبل أربعين يوما تقريبا اتصل بي من العاصمة العمانية مسقط الشيخ محمد الحجري وهو موظف في ديوان البلاط السلطاني، يعتب على القنوات الدينية التي أخذت خط مناقشة المذاهب الاخرى وقال لي هناك برنامج لأحد الدعاة خص فيه المذهب الاباضي بسلسلة حلقات، قال الحجري ومثل هذه الدروس في الاعلام تحدث بلبلة وتزيد نزعات التعصب، ونحن لا نمانع من الحوار ولكن المكان والجمهور والظروف والاسلوب كلها اعتبارات يجب ان تكون في الحسبان عندما نتناول قضايا تمس عقائد الناس ومذاهبهم... ولقد تفهمت اتصال صديقي محمد الحجري والذي كان الوسيط في استضافتي بمسقط لالقاء سلسلة من الدروس واللقاءات التلفزيونية، ويجب ان أُوضح ان المذهب الرسمي في دولة عمان هو المذهب الاباضي، وفي عمان ترى السنة يصلون في مسجد الاباضية والعكس صحيح.. ولا توجد مشاحنات وتوترات كما نراه في البيئات التي يكون الشيعة والسنة أو المسيحيون والمسلمون هم المكون الاجتماعي الأغلب... وبعد انتهاء المكالمة تواصلت واتصلت وبحثت عن صاحب العلاقة المباشرة لقناة (...) التي بدأت بسلسلة حلقات نقد المذهب (الاباضي) وأصلت نصيحتي ومنهجي حول هذا الطرح لبعض الوسطاء كي يقوموا بنقل قناعتنا وطلبنا، وقبل اسبوع أو أكثر تناولت الغداء في الكويت بحضور عضو هيئة كبار العلماء في السعودية الدكتور الشيخ عبدالله المطلق وعرفت ان أحد أقطاب القناة (...) المعنية موجود فذكرته بتلك الحلقات فقال لقد أوقفناها، والفكرة التي أريد ايصالها هي ان الحوار والنصح هو الوسيلة المثلى لتغيير المفاهيم والتأثير الايجابي في الآخرين، ولكن وألف (لكن) أين ومتى وكيف ومن وبأي طريقة واسلوب مع مراعاة الشريحة المستهدفة والهدف الكلي والاولويات وعشرات وعشرات المتطلبات والعناصر التي تحقق الموضوعية النسبية وترجح المصلحة على المفسدة؟. اننا نعيش لحظة تاريخية سياسية صراعية حرجة معقدة استطاعت اتجاهات وقوى خارجية وداخلية ان تربك المجتمعات وتمزقها وتؤصل الفرقة والاستقطاب الطائفي والمذهبي بشكل غير مسبوق... وإذا خرج من يتكلم بالحكمة والمنطق فإنه سرعان ما يستبعد أو يصد عنه الناس لأنه يكون مخذلاً أو متساهلًا! وسألني أحدهم أين النخبة أين المفكرون؟ قلت: المفكرون في كثير من الظروف التي يغلب فيها الخطاب العاطفي الجماهيري يتحولون الى عوام!! لأنه كي تجد جمهورا يستمع إليك يجب ان تستسلم لشعار (نافق أو وافق وإلا ففارق)، فماذا تختار وهل من بديل عن هذه الثلاث المهلكات؟.

الثلاثاء، 5 أبريل 2011

عمان .. الإصلاح .. و داعي الرشد .. جريدة عمان ، 5 إبريل


في الأوضاع المضطربة تمحيص للأفكار و الأشخاص و النظم ، و في حالتنا العمانية رأى الجميع كيف حدث هذا التمحيص في الدولة و في الشعب ، فمحص الأشخاص و اختبر الإخلاص و اختبرت الوطنية و امتحن الوعي و محصت القدرات و اختبرت المسؤولية و محصت الأفكار و أيها الجدير بالبقاء و أيها الجدير بالزوال ، و اختبر التواقون إلى الإصلاح تنظيراً و عملاً " وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض". إنها حركة المنخل المضطربة التي تسقط ما تسقط و تبقي ما تبقي .
و غايتنا جميعاً لهذا الوطن أن يمكث ما ينفع الناس في الأرض  ، و أن يستقر العدل في الأرض و الأمن في النفوس ، و أن نتعهد الأرض و أن ننشر فيها داعي الخير و الحق و الحكمة و صوت العقل و الرشد ، و الولاء و الانتماء الحق المتمسك بالصدق و الصراحة و بالوعي .
 في الأوضاع المضطربة يتأخر الرشد لدى البعض و تتقدم العاطفة ، يغيب الرشد أو يغيّب ، و يدخل البعض صناديق مقفلة تحجب رؤيتهم للعالم ، و لسنن التغيير، و تغشى البعض طمأنينة خادعة ، و بعضهم حين يغالي في رفض الواقع يضعف أو ينعدم اتصالهم به . و يكاد أن يكون الأمر حينها و كأن هناك خياراً بين الفكرة و الوطن .. فإذا ما تشبث البعض بالفكرة، فإن علينا أن نتشبث بالوطن ، و طناً تبذر فيه غداً كل الأفكار الجميلة، كل بذرة في موسمها من أعمار الشعوب و الأمم و الأوطان .
مهمتنا جميعاً في هذه الأوضاع أن نستعيد الرشد و أن نعيده إلى غيرنا و أن نبث روح الرشد و كلمة الحكمة .
في الأوضاع الملتبسة ليس هناك حق صرف و ليس هناك باطل صرف ، هناك ما هو أقرب للعدل و أقرب للتقوى ، و هناك ما هو أقرب للباطل ، و كثيراً ما تتحول البطولة إلى باطل ، و من يظن أن التصرف لابد أن يكون دائماً مثاليا في الأوضاع الاستثنائية فهو كمن يتوقع رداً مثالياً على فعل غير مثالي.

ما أحوجنا اليوم إلى من يعبئ النفوس بشعور المواطنة و شعور المسؤولية ، و يمسح على النفوس المتذمرة أو المجروحة زارعاً فيها الأمل بمستقبل لعمان أفضل و أجمل و أرسخ عدالة و ازدهاراً ، و لربما احتاج البعض أن نذكرهم بالفرق بين إنضاج الوعي و كشف الحقائق ، و بين  لغة الاصطفافات و ثقافة الضدية و التهييج التي مارسها البعض، تلك المبنية على توهم العداوة أو صناعة وهمها!!
فلنواجه أصوات التهييج ، بصوت العقل و داعي الحكمة و روح الالتزام الوطني ، و لنواجه شعور التذمر و القلق بصوت الأمل بعمان و مستقبلها ، و هو ليس أملاً موهوماً أو برقاً خلباً!! ، كيف و وطننا يتوفر على كل إمكانات البناء و تجديد النهضة ، يمتلك قيادة تاريخية آمنت بالإصلاح ، و شعباً يتطلع إليه ، و طاقة شابة ترغب في العمل ، و وحدة وطنية صلبة ، و روحاً وطنية في أوجها.
و هذا الوطن الذي واجه عام 1970م ــ بإمكانات دون الصفر ــ تحديات جعلت مصيره على المحك ، ومحيطا عالميا و إقليميا لا يرحم ، حين آمن العمانيون بوطنهم و بقيادتهم و بأن الغد القادم أفضل ، فهزموا الظلام بمشاعل الأمل ، هو القادر اليوم على صناعة التغيير و حركة الإصلاح بطاقات بشرية متحفزة  و إمكانيات مادية متوفرة .
و تأجيج الأوضاع و لغة التعبئة لا تدفع بالإصلاح الذي هو غاية الجميع ، فعندما يقلق الأمن يتراجع كل شيء و كل اهتمام ، و تتصاعد تلقائيا العناية بالأمن ، و تتراجع العناية بالإصلاح ، و لا أحسب أنها رغبة أحد ، و لكنه أمر تدفع إليه الضرورة ، ضرورة شعور الناس بالحاجة إلى نفي الخوف و استعادة الطمأنينة ، و على كل غيور على الإصلاح ــ إن كان مخلصاً له ــ أن يساعد على تعزيز الاستقرار حتى يتقدم الإصلاح إلى كل المرافق و المؤسسات و النظم ، هذا الإصلاح الذي يتكرر يومياً التأكيد على أنه الغاية و الهدف و الخط المرسوم .
و في الطريق إلى مواجهة التحديات الصعبة ، و دعوات الإرجاف ، و إلى بناء الأمل و الثقة ، و دخول مرحلة الإصلاح و تجديد النهضة لابد أن تنفتح أبواب الحوار على كل مصاريعها ، و بكل و سائل التلاقي المباشر و غير المباشر ، لتستوعب كل هذه الرغبة في التنفيس ، و كل هذا التطلع للمشاركة ، و لتبنى الشراكات الجادة ، و المبادرات المدروسة و لتمتحن الأصوات و الأفكار و لتمحص الرؤى ، و ليعلم من يريد الإصلاح ممن يريد المزايدة على مفهوم خاص به للإصلاح ، الحوار هو بعض ما نعتني به بأبنائنا و شبابنا و نحتويهم إيجابياً ، لا نعطيهم الأمل فحسب بل نعلمهم كيف يصنعونه؟ و كيف يصنعون طرق الحياة ؟
و نحن في كل ذلك لا نحتاج إلى مترجمين ، و لا إلى وسطاء ، و لا إلى محطات أجنبية تجعلنا جزءاً من لعبة الأمم ، لا نحتاج إلا أن نلتجئ و نتكئ على الوطن و ليس غير الوطن ، و مع الأمل الصادق نحتاج إلى الالتزام الذي يؤيده ، و إلى الإيمان بأن وطننا دائماً يملك إمكانيات تجديد نهضته .

كسبت عمان الإصلاح ، و ستسير فيه لأن الجميع يدرك أن سنن التغيير لا تستثني أحداً و لا شعباً و لا أمة ، و قدر قائدنا ــ حفظه الله ــ أن يقود التغيير مرتين ، و أن يتزعم حركة الإصلاح في مرحلتين فاصلتين من التاريخ ، و واجبنا أن نكون جزءاً من التغيير و الإصلاح و بعض محركاته و لبناته .