الثلاثاء، 5 أبريل 2011

عمان .. الإصلاح .. و داعي الرشد .. جريدة عمان ، 5 إبريل


في الأوضاع المضطربة تمحيص للأفكار و الأشخاص و النظم ، و في حالتنا العمانية رأى الجميع كيف حدث هذا التمحيص في الدولة و في الشعب ، فمحص الأشخاص و اختبر الإخلاص و اختبرت الوطنية و امتحن الوعي و محصت القدرات و اختبرت المسؤولية و محصت الأفكار و أيها الجدير بالبقاء و أيها الجدير بالزوال ، و اختبر التواقون إلى الإصلاح تنظيراً و عملاً " وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض". إنها حركة المنخل المضطربة التي تسقط ما تسقط و تبقي ما تبقي .
و غايتنا جميعاً لهذا الوطن أن يمكث ما ينفع الناس في الأرض  ، و أن يستقر العدل في الأرض و الأمن في النفوس ، و أن نتعهد الأرض و أن ننشر فيها داعي الخير و الحق و الحكمة و صوت العقل و الرشد ، و الولاء و الانتماء الحق المتمسك بالصدق و الصراحة و بالوعي .
 في الأوضاع المضطربة يتأخر الرشد لدى البعض و تتقدم العاطفة ، يغيب الرشد أو يغيّب ، و يدخل البعض صناديق مقفلة تحجب رؤيتهم للعالم ، و لسنن التغيير، و تغشى البعض طمأنينة خادعة ، و بعضهم حين يغالي في رفض الواقع يضعف أو ينعدم اتصالهم به . و يكاد أن يكون الأمر حينها و كأن هناك خياراً بين الفكرة و الوطن .. فإذا ما تشبث البعض بالفكرة، فإن علينا أن نتشبث بالوطن ، و طناً تبذر فيه غداً كل الأفكار الجميلة، كل بذرة في موسمها من أعمار الشعوب و الأمم و الأوطان .
مهمتنا جميعاً في هذه الأوضاع أن نستعيد الرشد و أن نعيده إلى غيرنا و أن نبث روح الرشد و كلمة الحكمة .
في الأوضاع الملتبسة ليس هناك حق صرف و ليس هناك باطل صرف ، هناك ما هو أقرب للعدل و أقرب للتقوى ، و هناك ما هو أقرب للباطل ، و كثيراً ما تتحول البطولة إلى باطل ، و من يظن أن التصرف لابد أن يكون دائماً مثاليا في الأوضاع الاستثنائية فهو كمن يتوقع رداً مثالياً على فعل غير مثالي.

ما أحوجنا اليوم إلى من يعبئ النفوس بشعور المواطنة و شعور المسؤولية ، و يمسح على النفوس المتذمرة أو المجروحة زارعاً فيها الأمل بمستقبل لعمان أفضل و أجمل و أرسخ عدالة و ازدهاراً ، و لربما احتاج البعض أن نذكرهم بالفرق بين إنضاج الوعي و كشف الحقائق ، و بين  لغة الاصطفافات و ثقافة الضدية و التهييج التي مارسها البعض، تلك المبنية على توهم العداوة أو صناعة وهمها!!
فلنواجه أصوات التهييج ، بصوت العقل و داعي الحكمة و روح الالتزام الوطني ، و لنواجه شعور التذمر و القلق بصوت الأمل بعمان و مستقبلها ، و هو ليس أملاً موهوماً أو برقاً خلباً!! ، كيف و وطننا يتوفر على كل إمكانات البناء و تجديد النهضة ، يمتلك قيادة تاريخية آمنت بالإصلاح ، و شعباً يتطلع إليه ، و طاقة شابة ترغب في العمل ، و وحدة وطنية صلبة ، و روحاً وطنية في أوجها.
و هذا الوطن الذي واجه عام 1970م ــ بإمكانات دون الصفر ــ تحديات جعلت مصيره على المحك ، ومحيطا عالميا و إقليميا لا يرحم ، حين آمن العمانيون بوطنهم و بقيادتهم و بأن الغد القادم أفضل ، فهزموا الظلام بمشاعل الأمل ، هو القادر اليوم على صناعة التغيير و حركة الإصلاح بطاقات بشرية متحفزة  و إمكانيات مادية متوفرة .
و تأجيج الأوضاع و لغة التعبئة لا تدفع بالإصلاح الذي هو غاية الجميع ، فعندما يقلق الأمن يتراجع كل شيء و كل اهتمام ، و تتصاعد تلقائيا العناية بالأمن ، و تتراجع العناية بالإصلاح ، و لا أحسب أنها رغبة أحد ، و لكنه أمر تدفع إليه الضرورة ، ضرورة شعور الناس بالحاجة إلى نفي الخوف و استعادة الطمأنينة ، و على كل غيور على الإصلاح ــ إن كان مخلصاً له ــ أن يساعد على تعزيز الاستقرار حتى يتقدم الإصلاح إلى كل المرافق و المؤسسات و النظم ، هذا الإصلاح الذي يتكرر يومياً التأكيد على أنه الغاية و الهدف و الخط المرسوم .
و في الطريق إلى مواجهة التحديات الصعبة ، و دعوات الإرجاف ، و إلى بناء الأمل و الثقة ، و دخول مرحلة الإصلاح و تجديد النهضة لابد أن تنفتح أبواب الحوار على كل مصاريعها ، و بكل و سائل التلاقي المباشر و غير المباشر ، لتستوعب كل هذه الرغبة في التنفيس ، و كل هذا التطلع للمشاركة ، و لتبنى الشراكات الجادة ، و المبادرات المدروسة و لتمتحن الأصوات و الأفكار و لتمحص الرؤى ، و ليعلم من يريد الإصلاح ممن يريد المزايدة على مفهوم خاص به للإصلاح ، الحوار هو بعض ما نعتني به بأبنائنا و شبابنا و نحتويهم إيجابياً ، لا نعطيهم الأمل فحسب بل نعلمهم كيف يصنعونه؟ و كيف يصنعون طرق الحياة ؟
و نحن في كل ذلك لا نحتاج إلى مترجمين ، و لا إلى وسطاء ، و لا إلى محطات أجنبية تجعلنا جزءاً من لعبة الأمم ، لا نحتاج إلا أن نلتجئ و نتكئ على الوطن و ليس غير الوطن ، و مع الأمل الصادق نحتاج إلى الالتزام الذي يؤيده ، و إلى الإيمان بأن وطننا دائماً يملك إمكانيات تجديد نهضته .

كسبت عمان الإصلاح ، و ستسير فيه لأن الجميع يدرك أن سنن التغيير لا تستثني أحداً و لا شعباً و لا أمة ، و قدر قائدنا ــ حفظه الله ــ أن يقود التغيير مرتين ، و أن يتزعم حركة الإصلاح في مرحلتين فاصلتين من التاريخ ، و واجبنا أن نكون جزءاً من التغيير و الإصلاح و بعض محركاته و لبناته .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق