الجمعة، 26 أغسطس 2022

ردود على أسئلة موقع عربي21 الموجهة إليّ، ضمن تقرير نشره الموقع بعنوان: "مفتي عمان انحياز للأمة وتغريد خارج سرب الإفتاء الرسمي"

أعيد هنا نشر هذه الردود على أسئلة موقع عربي21 الموجهة إليّ، ضمن تقرير نشره الموقع بعنوان "مفتي عمان انحياز للأمة وتغريد خارج سرب"، نشره الموقع المذكور بتاريخ 20 أغسطس 2022م.


** من الملاحظ أن غالب مواقف الشيخ أحمد الخليلي، مفتي سلطنة عمان من قضايا الأمة الكبرى لا تتماشى مع السياسات الرسمية في بلده، وأغلب الدول العربية والإسلامية الأخرى، فكيف يقوى على إظهار تلك المواقف المغايرة في غالبها للموقف السياسي في بلده؟.

في تقديري أن محاولة فهم هذه المواقف ومقاربتها من زاوية أنها تتعارض أو تتوافق مع سياسة بلده أو البلدان الأخرى هي مقاربة غير مناسبة، ولن تؤدي إلى فهم دقيق لها، أقصد هنا إنها ليست متعارضة أو متوافقة ولا يقصد منها في الأساس المعارضة أو الموافقة، إنها باختصار مواقف مستقلة، والشيخ الخليلي أشار إلى ذلك بوضوح في مقابلته التلفزيونية الأخيرة بأن "الدين له استقلاليته".

أما كيف يقوى على ذلك؟ فهذا في نظري يحسب للدولة في السلطنة، يحسب لها أنها تقدّر في عالم الدين رأيه وموقفه المستقل، إنه نوع آخر من التعاطي العماني المختلف الذي لا يضع نفسه أمام خيارات متقاطعة دائماً، وكأنه ليس هناك خيار إلا المنع والحجب.

هذا عدا عن وجود توافق واضح في كثير من الأحيان ربما لا ينتبه البعض له، ومن ذلك مثلاً الموقف من العدوان الأخير على غزة، والموقف من الإساءة إلى الرسول الكريم من قبل بعض الشخصيات السياسية الهندية، فالمواقف واحدة في كثير من الأحيان وإن اختلفت طريقة التعبير عنها بطبيعة الحال.


** إلى ماذا تُرجع مواقف الشيخ الجريئة بشأن تلك القضايا، والتي تكاد تكون تغريدا خارج سرب دور الإفتاء الرسمي في العالم العربي؟.

في تقديري أن الشيخ الخليلي له منطلق واحد وهو أن يبرئ ذمته أمام الله، أن يقوم بواجبه باعتباره عالماً عليه مسؤولية تجاه مجتمعه وأمته، ليس له هدف غير ذلك في هذا العمر وبعد هذه التجربة الممتدة والحرص الشديد على وحدة الأمة وسلم المجتمعات.

أما التغريد خارج السرب كما يراه البعض فهو يعود لحالة استمرت طويلاً اعتدنا فيها على دور إفتاء ومؤسسات دينية تقصر معالجاتها ومواقفها على قضايا جزئية، فضعف دورها الاجتماعي؛ وفي نظري أن مؤسسة الإفتاء في عمان كانت دائماً في صميم الشأن الاجتماعي، وساهمت في دفع المجتمع إلى الأمام مع حماية هويته منذ انطلاق الدولة الحديثة في عمان في 1970م؛ كما كانت معنية دائماً بقضايا الأمة، لكنها في مراحل ماضية ركزت على قضايا الوحدة والتقريب بين المسلمين خاصة عبر مؤتمرات الدراسات الفقهية السنوية منذ الثمانينات حيث كانت قناة التعبير الرئيسة عن تلك المواقف.

  

** في تقديرك ما هي دوافع الشيخ في مواقفه تلك.. هل هي قيام بواجباته ومسؤولياته بصفته عالما يجب عليه قول كلمة الحق والجهر بها، وهل هي بتنسيق مع الدولة وأجهزتها الأمنية؟

ليس للشيخ الخليلي من دافع إلا ما ذكرت من قبل أن يبرئ ذمته أمام الله وقياماً بواجبه الديني، أما التساؤل حول التنسيق فما هو إلا محاولة للبحث عن تفسير لهذه المواقف لأنها في نظر البعض أصبحت غير معتادة من علماء الدين، خاصة من يحملون صفة الإفتاء، والحقيقة أن الخطاب الديني في عمان غير مسيّس، وليس جزءاً من أدوات السياسة، بمعنى أن منطلقاته ليست سياسية، إنها منطلقات شرعية دينية حتى وإن كانت لها تجلّيات سياسية أحياناً بحكم تقاطع الأحوال وتداخلها، وفي تصوري أن المحافظة على استقلال الخطاب الديني لأي مجتمع أمر مهم جداً، حتى وإن كانت له أحياناً بعض التجلّيات السياسية، إنه شبيه باستقلال القضاء مثلاً أو الاستقلال النسبي للإعلام، إذ تبقى مصداقيته والثقة به وتأثيره ناتج عن المحافظة على هذه الاستقلالية، بل إني أقول بأن بقاء الخطاب الديني مستقلاً وذو مصداقية هو نوع من القوة الناعمة لأي مجتمع؛ وهناك مجتمعات ونظم سياسية سحقت مصداقية الخطاب الديني فيها باستتباعه لها، فلم يعد قادراً على التأثير الاجتماعي ولا قادراً حتى على خدمة أهداف تلك النظم، وهذا مضر بل وخطير من ناحية حاجة المجتمعات دائماً لخطاب رشد وتعقل موثوق يحميها من خطاب التطرف والكراهية، فبقاء هذه الاستقلالية الراشدة للخطاب الديني يعمق الثقة ويحمي المجتمعات.