الأربعاء، 4 أبريل 2012

هل خنق الدين الشعر في عمان ؟ و هل جنت عليه الجغرافيا؟

بسم الله الرحمن الرحيم
هل خنق  الدين الشعر في عمان؟ و هل جنت عليه الجغرافيا؟
نقاش لأطروحات الدكتور محمد المحروقي
حول جدلية الشعر و الدين و الجغرافيا

رابط شرفات

قبل أكثر من شهرين حين انعقدت الأيام الثقافية العمانية في اليونسكو بالعاصمة الفرنسية باريس ، و التي انصب جهدها على التعريف بالتاريخ و الثقافة و الأدب العماني عبر عدة ندوات و معرض مصاحب و أنشطة أخرى ، قدم الأخ الدكتور محمد المحروقي ورقة بحثية حول الشعر العماني القديم و العصرين النبهاني و اليعربي ، لكن الورقة جاءت مفاجئة في طرحها لقضية جدلية تباين ما يشير إليه العنوان المحدد لها ، فقد ذهبت إلى طرح عنوان آخر هو "نازع الدين و الجغرافيا الشعر في عمان فصرعاه" ، لتضع الجميع في صدمة و حيرة حين افترضت وجود خصومة عاتية بين الشعر و الدين و الجغرافيا في عمان ، منطلقة من مقولة أخذت شكل المسلمة الحاسمة ترى بأن الدين و الجغرافيا جنيا على الشعر في عمان و جففا منابع الإبداع فيه ، و خنقاه أو عزلاه عن ما أسمته الورقة بــ "ناجخة التيار" أي تيار الإبداع في قلب العالم العربي خاصة مع قدوم  تلك "الموجة" الإبداعية التي ظهرت بظهور الشعراء المولدين مزدوجي الثقافة.
و لقد أعاد الدكتور المحروقي نشر تلك الورقة بعد ذلك في صفحته على الفيس بوك و أدار نقاشاً حولها ، كما أعاد التأكيد عليها في لقاء إذاعي ضمن برنامج "المشهد الثقافي" الذي يقدمه  الأخ الأستاذ سليمان المعمري.
·       الورقة و سياق الحدث:
إن الغاية من إثارة النقاش هنا ليس التطرق إلى السياق التعريفي الذي استهدفته الأيام الثقافية العمانية في اليونسكو ، ثم جاءت الورقة لتكون مناكفة له و مصادمة لتوجهه ، فعلى أهمية هذه الناحية من جهة الاتفاق على الأهداف و العنوان المطروح للورقة ، و الذي أثبته جدول الفعالية و أدبياتها و كتيبها الذي نشر ملخصاً للورقة الأصلية المتفق عليها ، و على أن المنطقي هنا هو تأجيل أي سياق جدلي لا يخدم الهدف المنشود لتلك الفعالية ليكون بعد ذلك ــ بكل حرية و سعة ــ جزءاً من حوارنا و جدلنا الثقافي هنا في عمان حيث المناخ الحقيقي الملائم لطرح القضايا الجدلية في شأننا الثقافي و التاريخي ، على أهمية كل ذلك فإني أحبذ أن نتجاوز الوقوف المطول أمامه ، مفضلاً أن يكون هدفنا الرئيسي هنا هو مناقشة المقولات التي ظهرت في شكل تعميمات قاطعة منذ بداية الورقة ، و لتغدوا الدراسة أثناءها جهداً للإقناع والتعبئة بالنتيجة المحسومة ليس إلا ، و لنفض الأيدي من دفن مسألة لا تزال تتمتع بكل أسباب و علامات الحياة!
·       النتائج قبل المقدمات! :
إن أول عبارة تطالعنا به ورقة الدكتور المحروقي بعد العنوان تقول في جزم ينفي أي شك منهجي "عندما نتأمل الشعرية العمانية في حقبها التاريخية المتعاقبة بقبس مما حققته الشعريّة العربيّة في حقبها المتعاقبة أيضاً، نرى بوضوح تواضع هذه الشعريّة وطغيان اللاشعري عليها" و مع الإشارة إلى قتامة المشهد الشعري العماني إلا أن الدكتور المحروقي يرى أيضاَ أن الذي " يزيد هذا المشهد قتامة شحّ المصادر التي سجّلت ذلك المنتج، وتأخّرها الزمنيّ في تسجيل أحداث تاريخيّة ووقائع شعريّة إلى فترة متأخّرة كثيراً" و بقدر ما كان الدكتور المحروقي حاسماً في نتائجه فإن الفقرة الثانية من الصفحة الأولى ذاتها تؤكد أن كل الجهد القادم في بقية الورقة هو " أن تفسر أسباب تضاؤل التجربة الشعرية العمانية إلى جانب مثيلاتها العربية" و يرى الدكتور المحروقي أن تضاؤل الشعرية العمانية و ضعفها أمام مثيلاتها العربية يمكن أن يفسر بمقولة "المراكز و الأطراف" التي يسلم بعدم دقتها لكنه يؤكد " أنها تفسر مظاهر التمايز ــ و ليس التميز ــ بين الإنتاج الأدبي في مختلف البلدان العربية" و بدهي هنا أن المقولات السابقة له في أول سطر في الورقة قد ألغت "التمايز" ــ في الحالة العمانية ــ و لم تبق إلا "تميز" الشعرية العربية عامة و "تواضع" الشعرية العمانية ، و على ذلك فإن مؤدى كلام الدكتور المحروقي هو أن مقولة "المركز و الأطراف" لا تفسر "التمايز" ، و إنما تفسر "تميز" الشعر العربي و "تواضع" الشعر العماني! و هو ما يعني أن كون عمان ــ في نظره ــ ليست من دول "المركز" الثقافي العربي سيفسر الإخفاق الإبداعي الشعري في عمان ، و كيف  تحول الشعراء العمانيين إلى طائفة من "النظامين" حسب رأيه!
·       المقولات الثلاث الرئيسية :
على ذلك نجمل النتيجة التي توصل إليها الدكتور المحروقي ــ في الصفحة الأولى من الورقة ــ قبل أن يفسرها و قبل أن نرى مقدماتها في نقاط ثلاث ، نوردها مع تعليق سريع على كل منها:
1- إن الشعر العماني "متواضع" و "لا شعري" من الناحية الفنية إذا ما قيس بالشعر العربي في الأقطار العربية الأخرى . و العبارات ترد هنا مطلقة و لا تورد استثناء محدداً بمرحلة شعرية أو بشاعر بعينه ، و إن قاده نقاش كنت قد أثرته بعد إلقاء الورقةً إلى استثناء شاعر واحد فقط هو "الحبسي" من هذا التعميم ، و معنى ذلك أن أكثر من 1500 عام من تاريخ الشعر العربي في عمان لم يكن إلا رحلة طويلة لطائفة من "النظامين" الذين يختبئون وراء كل صخرة في عمان كما يصرح الدكتور المحروقي في نهاية الورقة حين يقول :" و قد شاعت مقولة أن وراء كل صخرة في عمان شاعر و لعل الصواب هو أن وراء كل صخرة في عمان ناظم" مع ملاحظة أن شعراء كبار كالستالي و النبهاني و الناعبي و اللواح الخروصي و الكيذاوي ليسوا استثناء من طائفة النظامين تلك ، و لا حتى أبا مسلم البهلاني الذي خصه الدكتور المحروقي ــ في رسالته للماجستير ــ بدراسة مهمة و محورية في جملة الدراسات الكثيرة عن أبي مسلم ؛ و هنا لابد أن نقول بأنه إذا كانت مقولة "وراء كل صخرة في عمان شاعر" هي مقولة تعميمية و مغالية في رغبتها الإثباتية التقريرية ، فإنه لا يماثلها في تعميميتها و غلوها في نزعتها الإلغائية إلا مقولة "وراء كل صخرة في عمان ناظم" ، و إذا كنا نجد العذر للمقولة الإثباتية القديمة في عفويتها ، و في كونها غير متسلحة بالمناهج العلمية الحديثة ، فأين سنجد العذر للمقولة الإلغائية الأخيرة و هي تتمترس وراء المنهج العلمي الحديث و تحاول أن تلبس لبوسه؟!
2- إن النظرية الأجدر بأن تكون تفسيراً لهذا الضعف الشعري العماني هي نظرية المركز و الأطراف حيث إن عمان قابعة في طرف العالم العربي بعيدة عن "ناجخة التيار" الإبداعي في وسط العالم العربي كما ينص الدكتور المحروقي على ذلك ، وهو ما أسماه لاحقاً بـ "جناية الجغرافيا" . و نظرية المركز و الأطراف كما يعلم الجميع ــ و كما يلمح الدكتور المحروقي ــ نظرية متهافتة ، و فحواها أن هناك دولاً عربية "مركزية" في إبداعها و أدبها شعراً و نثراً هي مصر و بلاد الشام و العراق ، و أن هناك دولاً تقبع على الهامش العربي إبداعياً و أدبياً هي دول "الأطراف"، و هي نظرية منبوذة علمياً ، تاريخاً و واقعاً ،غير أن المدهش هنا أن مقولة المركز و الأطراف لا تطلق هذه المرة من قبل أكاديميي و مثقفي "المركز" ، بل من بعض أكاديمي و مثقفي من يراها البعض من "الأطراف"!! و عمان لعمري في قلب تلك الثقافة و ليست في طرفها.
3- إن الورقة تنتقد الدراسات التي طوفت بأنحاء المنتج الشعري العماني و تراها ــ دون استثناء أيضا ــ مأسورة بــ "وطنية رهيفة تمجد المنجز، و تغرق في لغة إعلامية لا ترى إلا الشق المضيء، مواربة قصوراً معرفياً و عواراً منهجيا" ، ومع أن الورقة تعد باقتراحات و حلول في نهايتها لدراسة هذا المنتج الشعري دراسة "أكثر" علمية و موضوعية ، إلا أنها لم تقدم شيئا من ذلك!
و نحن نعلم أن أغلب هذه الدراسات التي انتقدها الدكتور المحروقي هي دراسات أكاديمية قدمت في جامعات السلطنة و غيرها ، و من قبل باحثين عمانيين و غير عمانيين، و خضعت لضوابط منهجية صارمة لا تحتمل في تقييمها للمنجز الأدبي ــ عادة ــ العواطف و الأهواء و الدوافع المشوشة على التقييم العلمي ، و قد مضى على هذه الدراسات أكثر من عشرين عاماً و هي تقدم نتاجها ، و إطلاق مقولة تعميمية تنفي عنها الموضوعية النسبية ، و تتهمها بالعوار المنهجي و تغليب الهوى الوطني هو إلغاء لجهود كبيرة ، عرف للكثير منها الإخلاص و الاحتراف و المنهجية ، و قد أوصلت إلى نتائج دقيقة و منصفة في تقييم الشعر العماني سواء في مراحله أو في أعلامه ، و أبانت بجلاء أن الشعر العماني هو الشعر العربي في عمان تأتي عليه عوامل القوة و عوامل الضعف كما في الدائرة العربية العامة ، و الخصوصية التي أضافتها عمان ــ ثقافة و جغرافيا ــ لم تعزله عن المؤثرات في الثقافة العربية عامة ، بل زودته بعوامل قوة لا بعوامل ضعف ، إذ بطّأت من زحف تأثيرات ظواهر التصنع و العقم التي شاعت في الشعر العربي في عصر المماليك و العثمانيين .
و إذا كنا وقفنا في هذه الحلقة أمام المقولات الثلاث الرئيسية للدكتور المحروقي في ورقته ، فإننا سنقف في الحلقة القادمة ــ إن شاء الله ــ أمام مناقشة سريعة للسببين الأساسيين ــ حسب رأيه ـ في ضعف الطاقة الشعرية العمانية و هما "الدين" الذي خنق و قمع الشعر ، و "الجغرافيا" التي جنت عليه و عزلته!

هناك تعليق واحد:

  1. مرحبًا ، أنا سعيد جدًا الآن لأنني حصلت على قرض من هذه الشركة الجيدة بعد أن جربت العديد من الشركات الأخرى ، ولكن دون جدوى هنا ، رأيت إعلانات هذه الشركة الجيدة Faiza Afzal Finance وقررت أن أجربها واتبع جميع التعليمات. وهنا سعيد ، سعيد ، لقد تم الفضل في قرضي في حسابي المصرفي ، أقوم بهذه الشهادة بسبب مدى سعادتي للحصول على قرض أخيرًا ، يمكنك أيضًا الاتصال بهم إذا كنت بحاجة إلى قرض سريع ، اتصل بهم الآن عبر هذا بريد إلكتروني:

    (contact@faizaafzalfinance.com) أو

    WhatsApp: +91 (923) 356-1861. للمزيد من المعلومات.

    شكرًا.

    ردحذف