الثوابت التي تحمي عمان
تشدنا الأزمات للحديث عن الثوابت الوطنية و الرموز الوطنية ربما لأنها الجوامع التي تجمع الوطن و تحمي وحدته و انسجام مكوناته و وحدة هدفه و نظامه ، و لذلك تكون هي الملجأ و المفزع الذي نتشبث به عند الشدائد ، و هذا هو الذي يحمينا نحن العمانيين و وطننا و نحن ندخل محنة لنتجاوزها إن شاء الله ، و نخرج منها بأفضل النتائج و بأسس جديدة للعمل الوطني قوامها مزيد من الشراكة ، و مزيد من الانفتاح ، و ترسيخ للعدالة الاجتماعية ، و مزيد من الشفافية ، و مزيد من النزاهة ، و مزيد من التوجه نحو دولة المؤسسات و القانون .
إن وحدة الأرض ، و وحدة الشعب ، و وحدة القيادة ، و وحدة التاريخ و المصير و المستقبل ، هي ثوابت لا يحيد عنها العمانيون و هي سر تميز نموذجهم في التغيير ، مع ثوابت أخرى أساسية تجمعنا مع غيرنا من الأخوة في العالمين العربي و الإسلامي تقوم على الدين و اللغة و الثقافة.
و في هذه الأزمة التي اختلطت فيها الرؤى و التأويلات و العوامل و الأسباب ، و الأهداف ، و تعددت رؤية كل منا للخروج منها ، كان هناك اختبار آخر لهذه الثوابت التي أجمعنا كلنا على صيانتها و احترامها ، لأن الإضرار بها بأي طريقة مباشرة أو غير مباشرة يعرضنا للخطر ، فهي التي تلم الشمل و تنظم العقد، و هي في أوقات الشدائد تحمينا من الوقوع في براثن الفوضى و التخبط .. و أعتقد أن المجتمع العماني نجح بجدارة في حمايتها و الالتفاف حولها و علينا جميعاً أن نصر على ذلك.
*الشباب العماني.. فيضان الإخلاص لا يلغي روح المسؤولية:
ما يحدث لدينا الآن ليس تقليداً أو موضة أو عدوى كما أخطأ البعض في تصنيفها ، في الحقيقة هي استحقاق مرحلة ضمن تغييرات تاريخية على مستوى الوعي ، إنها طبيعة الأشياء و سنن الحياة .. و لذا فإن الحل هو في استيعابها ، و التعاطي معها ، و تفهمها و جعلها طاقة للانطلاق إلى الأمام ، و ليس الحل في الوقوف أمامها أو مواجهتها ، لأنها استحقاق كان لابد من دخوله عاجلاً أم آجلاً.
لكن من طبيعة الأشياء و سنن الحياة و نواميسها أيضاً أن لا يكون التغيير دفعة واحدة فذلك ضد طبيعة الأشياء و سنن التغيير ، و لذا ــ مرة أخرى ــ لا مناص لنا من التشبث بالثوابت الوطنية ، و احترامها ، و استشعار روح المسؤولية منا جميعاً ، ذلك هو ضمانة عبور الأزمة إن شاء الله ، فالأزمات تستجيش المسؤوليات ــ هكذا ينبغي ــ و أعتقد أننا جميعاً انغمسنا في الشعور بالأزمة ، و في الشعور بالمسؤولية ، و لربما تعددت الاجتهادات في توجيه العمل المبني على هذه المسؤولية ، لكن حماية السلم و التضامن و الإجماع الوطني هو أول المسؤوليات ، و الإيمان بضرورة الإصلاح المستمر هو من أهم المسؤوليات ، بل هو نتيجة طبيعية للانتماء للوطن و الإخلاص للوطن و القائد، و الشباب العماني المليء بالإخلاص لعمان إلى حد الفيضان ، و المجتمع و الدولة كلنا جميعاً لابد لنا أن نضطلع جميعاً بمهامنا في الاتجاهين ، في اتجاه الإصلاح المستمر ، بكل ما يتطلبه من وعي و يقظة و حكمة و تدرج ، و في اتجاه حماية الثوابت الوطنية التي هي الإطار الوقائي ، و كلنا ثقة في أن جلالة القائد المفدى ــ حفظه الله ــ في أنه سيقود هذا الشعب نحو تطلعاته الجديدة ، بروح كانت و لا تزال إصلاحية ، و ستجد عمان بعون الله معادلتها الجديدة التي تتطلبها المرحلة و تحتمها استحقاقاتها .
و قد بدت المبادرات و الأوامر السامية خلال الأيام الماضية ملامسة للوجدان و الروح العمانية ، و بدأت في إشاعة أجواء التفاؤل بأن طريق الإصلاح هو طريق المستقبل لعمان ، و هناك تطلع للمزيد منها من أجل تعزيز هذا التفاؤل ، و ترسيخ حقيقة أن عمان فوق كل اعتبار أو موقع أو مركز أو اسم ، و رغم أن القلق لا يزال يساور البعض منا ، إلا أن عزماً أكيداً يلوح بأن كل شيء يبحث عن موعده، وكما نحتاج اليوم إلى التصميم و الإرادة العمانية ، فإننا نحتاج إلى الصبر و الأناة العمانية أيضاً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق