دعوة إلى عودة الروح
بين يدي ندوة التعليم في سلطنة عمان، الطريق إلى المستقبل
محمد بن سعيد الحجري
محمد بن سعيد الحجري
جريدة الرؤية - الإثنين، 13 أكتوبر 2014م
"ولما كان التعليم هو الركيزة الأساسية للتقدم والتطور ولإيجاد جيل يتحلى بالوعي والمسؤولية ويتمتع بالخبرة والمهارة ويتطلع إلى مستوى معرفي أرقى وأرفع فإنّه لابد من إجراء تقييم شامل للمسيرة التعليمية من أجل تحقيق تلك التطلعات" من خطاب جلالة السلطان المعظم في الانعقاد السنوي لمجلس عمان 2011م.
"ولما كان التعليم هو الركيزة الأساسية للتقدم والتطور ولإيجاد جيل يتحلى بالوعي والمسؤولية ويتمتع بالخبرة والمهارة ويتطلع إلى مستوى معرفي أرقى وأرفع فإنّه لابد من إجراء تقييم شامل للمسيرة التعليمية من أجل تحقيق تلك التطلعات" من خطاب جلالة السلطان المعظم في الانعقاد السنوي لمجلس عمان 2011م.
"لذلك فإنّه من أولويات المرحلة التي نمر بها والمرحلة القادمة التي نستشرفها مراجعة سياسات التعليم وخططه وبرامجه وتطويرها بما يواكب المتغيرات التي يشهدها الوطن والمتطلبات التي يفرضها التقدم العلمي والتطور الحضاري" من خطاب جلالة السلطان المعظم في الانعقاد السنوي لمجلس عمان 2012م.
إن الفقرتين الآنفتين من خطابي جلالة السلطان المعظم -حفظه الله ورعاه- لابد أن تكونا عنواناً لهذه المرحلة التي يمر بها التعليم في وطننا، وطالما تحدثنا وتحدث كثير من المتابعين لشأن التعليم بأنّ ما نص عليه الخطابان الساميان من "تقييم شامل" و"مراجعة لسياسات التعليم" لابد أن يرتكز عليهما جهد المؤسسات المعنية بالتعليم في السلطنة بمستوييه الأساسي والعالي، لأنّ هذا التقييم وتلك المراجعة هي التي ستصنع منعطفاً فارقاً وانطلاقة جديدة لا تكرر ما شاب المرحلة الماضية ــ قبل الخطابين ــ من تجريب ونزعات جعلت الجميع على قناعة بأنّ هذا المسار لا يصل بنا إلى الوجهة الصحيحة، ولا يعطينا القدرة على مواجهة التحديات الماثلة، بل ويصنع تناقضات ويعاظم أزمات كلنا يدرك أنّ القطاعات التعليمية مرت بها وتمر بها.
اليوم بعد ثلاث سنوات من الخطاب الأول وسنتين من الخطاب الثاني على مؤسساتنا التعليمية بكل مستوياتها أن تسأل نفسها: كيف كان التقييم الشامل؟ وكيف كانت المراجعة؟ وهل صنعنا انعطافة جديدة أو انطلاقة مختلفة؟
كل ما أشرت إليه سبب ارتياحاً ولا شك وصنع انفراجات في مسارات كانت متأزمة، وهذا أمر لا يسعنا إلا أن نحييه مع جهود مجلس التعليم الذي يؤول إليه اليوم صنع السياسات العليا للتعليم والذي كان آخر قراراته المهمة إعادة فتح برنامج التأهيل التربوي في جامعة السلطان قابوس الذي أغلق من سنوات غير قليلة.
والذين يشاهدون مجريات الأمور من خارج مؤسسات التعليم مثلنا، ويتابعونه متابعة الحريص على مستقبل وطنه، المدرك لما يحتاجه الوطن وتريده القيادة من التعليم، يعرفون أيضاً أن جهوداً بذلت وهي جهود مشكورة ومقدرة ومحترمة؛ منها مثلاً في قطاع التعليم العام زيادة أطقم الهيئات التدريسية والتوسع الواضح في التعيين، وتغييرات في المناهج، وتطوير لأنظمة الانضباط السلوكي، وتوسع في برامج التدريب، ورفع لأجور العاملين في سلك التدريس جاءت مع حزمة توحيد جداول الرواتب، ومن ذلك أيضاً دراسة دقيقة ومهمة قام بها البنك الدولي عن وضع التعليم في السلطنة باعتباره طريقاً نحو المستقبل؛ وفي التعليم العالي كان التغيير الأبرز هو التوسع الكبير في برامج الابتعاث الخارجي والداخلي وتحسين أوضاع الطلاب المبتعثين وربما غير ذلك مما يدركه من هم داخل مؤسسات التعليم أكثر منّا.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه اليوم ونحن بصدد "ندوة التعليم في سلطنة عمان، الطريق إلى المستقبل" هل نجحت كل تلك الإجراءات في صناعة انطلاقة جديدة، وهل هذا هو التقييم الشامل والمراجعة التي نحتاجها ووجه بها جلالته مرتين في خطابين متتاليين، والتي هي عدتنا لمواجهة تحديات المستقبل؟
في تقدير الكثيرين أنّ المراجعة والتقييم الشامل لابد أن تفضي إلى بث روح جديدة، ولابد أن تكشف أولاً كل ما حدث في المرحلة الماضية من سياسات أوصلت التعليم إلى حالته الراهنة، حتى لا نعالج مشكلات الماضي بذات الأدوات التي تسببت في صناعتها، ومن الواضح أن التعليم في وطننا يحتاج إلى ما نسميه بــ "عودة الروح"، إذ إنّ مؤشرات غياب هذه الروح واضحة في ضعف الثقة بين أركان العملية التعليمية ذاتها، وبينها وبين المجتمع من جهة أخرى، وكذلك في فقدان الدافعية وانخفاض الجودة الذي تؤكده الاختبارات العالمية TIMSS في العلوم والرياضيات، وكذلك في بقاء بعض الأسئلة التي كشفت عنها هذه الاختبارات دون إجابة مقنعة، ونستنتجه كذلك من الهجرة المتزايدة نحو التعليم الخاص، ومن تراجع جامعاتنا المستمر في قوائم الجودة العالمية، ومن يطالع دراسة البنك الدولي حول التعليم في السلطنة يتبين له أنّ ما أشارت إليه من مشكلات وعقد لم يكن خافياً على أحد، ولا كان يحتاج لكبير جهد لتحديد أسباب التأزيم ومواضعه، بل بعضه نصت عليه دراسات ومؤتمرات سابقة، ولكننا دخلنا في حالة غريبة من التجاهل والنكران تعاظمت معه هذه المشكلات لتكلفنا غالياً من جودة تعليمنا، ومن الثقة به، ومن العلاقة بين أركانه.
وندوة التعليم في السلطنة توجه اليوم جهدها المشكور إلى محاور مهمة تتعلق بدراسة واقع التعليم وتقويمه، وفلسفة التعليم، وتشريعات التعليم، والتخطيط الاستراتيجي للتعليم، وهي قضايا تقع غالباً في إطار السياسات العليا الإستراتيجية التي هي مهمة مجلس التعليم، ولا شك أنّها ستسهم في ما نرجوه من "عودة الروح" وبناء الثقة ورفع الدافعية التي لا تزال بعيدة عن المأمول، ولكن قدرة هذه الندوة على تحقيق ذلك عبر مخرجاتها سيكون رهناً بأمرين نرجو أن تضعهما في حسبانها؛ أولهما في مقرراتها التي لابد أن تتّجه للتنفيذ أسوة بما حدث مثلاً في "ندوة دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة"، فغير بعيد عن علم المتابعين أنّ هذه الندوة ليست الأولى التي تحمل هذا الاسم أو قريباً منه، والميدان التعليمي في حاجة ماسة اليوم إلى كل الإشارات الإيجابية بأن ما تقرره الندوات سيذهب إلى التطبيق العاجل؛ وثانيهما في معالجة الراهن واليومي المتعلق بالقرارات والإجراءات وليس بالسياسات العليا، وهذا ما نأمل أن يعتني به محور "دراسة واقع التعليم وتقويمه" إذ من غير المجدي أن نركز على السياسات العليا ذات المدى الزمني البعيد بينما تتعاظم فجوة الثقة ويخبو وهج الرغبة في التطوير داخل المؤسسات التعليمية نتيجة بقاء بعض السياسات السابقة، والنظام التعليمي يقف على رأسه اليوم جهاز مهم قادر على تحويل التوصيات إلى قرارات ملزمة لكل مؤسسات التعليم، فمجلس التعليم جهاز وضع للسياسات وللإشراف على تنفيذها كما هو معلوم، وفجوة التنظير والتطبيق لم يعد لها ما يبررها اليوم مع وجود هذا الجهاز.
وإذا كان التخطيط الاستراتيجي للتعليم الذي ستعتني به الندوة سيتجه حتماً إلى المواءمة مع الرؤية الوطنية للتنمية 2040م التي هي قيد الإعداد، فإنّ علينا أن ننتبه إلى أن السنوات التي تسبق ذلك هي سنوات مهمة وفاصلة، ووضع رؤى وسياسات عملية خاصة بها أمر في غاية الضرورة، وهذا ما نبهت إليه "ندوة السياسات الاجتماعية" التي نظمها المجلس الأعلى للتخطيط في ديسمبر 2013م، من ضرورة إعطاء هذه السنوات التي تسبق الرؤية 2040 حقها من التخطيط والتركيز، فالمشكلات لا تنتظر التخطيط بعيد المدى، والمتغيرات المتسارعة تفرض على المخططين ديناميكية ومرونة عالية لمواجهتها قبل أن تتعاظم، وتعرقل تطبيق الاستراتيجيات العليا القادمة.
يرى بعض خبراء التربية أنّ الموارد المالية والوفرة وسهولة اتخاذ القرار ليست السر في نجاح الأنظمة التعليمية طالما كانت الوجهة غائبة، ويبرهنون على ذلك بأنّ الأنظمة التعليمة لبعض دول الجوار هي في وفرة من الموارد وسهولة التوجيه والقرار نظراً لصغر هذه الأنظمة وتوفر الإمكانات لها، ولكن نظام التعليم فيها رغم ذلك لا يزال يراوح مكانه ويراكم تجارب الفشل؛ فهل ندرك نحن أنّ السر يكمن في "عودة الروح"؟ والروح التي أعنيها هي ذات الروح التي انتشلت عمان من مجتمع الجهالة والتخلف في السبعينيات وأنقذت مجتمعاً بأسره، إنّها روح "سنعلم أبناءنا ولو تحت ظل شجرة" هذه الروح الوثابة التي نفتقدها اليوم مع توفر المباني المدرسية والجامعية الحديثة ومراكز مصادر التعلم والبوابات الإلكترونية..إلخ.
إنّ علينا جميعاً أن نفكر في استعادة هذه الروح فهي ليست أقوالاً مرسلة ولا شعارات نتهرب بها من مواجهة الواقع، بل هي الوصفة الحقيقية لقصة نجاح التعليم، ولا شك أن المسؤول عن بثها وإشاعتها قبل أيّ أحد هم القيادات التعليمية سواء تلك التي تمسك دفة القرار أو من هم قريبون من الميدان، وهؤلاء لابد أن يكونوا تربويين يؤمنون بقضية التعليم في وطنهم قبل أن يكونوا أدوات بيروقراطية لتنفيذ السياسات، وهؤلاء هم الذين يقع عليهم عبء صناعة الجسور وردم فجوات الثقة وبناء الدافعية واستعادة الروح.
يذكر الناس من قصيدة شوقي الشهيرة بيتاً واحداً طوّف الدنيا وحده دون سواه:
قم للمعلم وفّه التبجيلا
كاد المعلم أن يكون رسولا
وهو وسام يستحقه المعلم بجدارة ضمانتها المسؤولية، لكن القصيدة فيها بيت آخر لعله يصف هؤلاء الذي نأملهم لاستعادة الروح:
إنّ الذي جعل الحقيقة علقماً
لم يُخلِ من أهل الحقيقة جيلا
يذكر الناس من قصيدة شوقي الشهيرة بيتاً واحداً طوّف الدنيا وحده دون سواه:
قم للمعلم وفّه التبجيلا
كاد المعلم أن يكون رسولا
وهو وسام يستحقه المعلم بجدارة ضمانتها المسؤولية، لكن القصيدة فيها بيت آخر لعله يصف هؤلاء الذي نأملهم لاستعادة الروح:
إنّ الذي جعل الحقيقة علقماً
لم يُخلِ من أهل الحقيقة جيلا
شكرا لك
ردحذفالبنات جيمز