نشر في جريدة عمان يوم الأحد 21 نوفمبر 2010م
الإنسان أولاً .. نظرة فيما بعد المكرمة السامية
* بين النهضة والتنمية قيم تنضح من المبادرة
الأمم الحية، وقادتها الذين يستشعرون المسؤولية التاريخية، تشعر ويشعرون أن الاحتفالات الكبرى ما هي إلا وقفات مرحلية في سياق الحراك التاريخي الذي يصنعه ذلك التفاعل الدائب بين الأمة والقيادة ومعطيات الواقع وتحديات المستقبل، ولذا لا بد أن يأتي الاحتفاء ملازماً لتقييم الماضي ومنجزاته، وبلورة خلاصات التجربة وتكريس قيمها الإيجابية والبناء عليها في وضع أسس التوجهات المستقبلية .
والمبادرة السامية لصاحب الجلالة السلطان المعظم ــ حفظه الله ورعاه ــ بتخصيص تلك الموازنة الضخمة لبرامج تنمية الموارد البشرية تأتي لتثبيت قيمة أساسية مفادها التمحور حول الإنسان والتركيز على بنائه ولترسخ مستقبلا قيمة الحراك الذاتي للنهضة واتجاهها نحو الفعل البنائي ذي الاستمرارية بعيدة المدى، وهو تحقيق للفرق الجوهري بين التنمية التي تملك أسس الديمومة والبقاء، وبين النمو ذي الطابع المتذبذب الذي يشبه ردات الفعل التي لا تقوم على قيم البنائية المنهجية المستمرة . والسلطنة هي إحدى الدول القلائل التي استخدمت مصطلح " النهضة " بما له شمول ومن استحقاقات ومدلولات وظلال تفرضها اللغة والمرجعية الحضارية والسياق التاريخي للمجتمع العماني، ويفرضها كذلك واقع التطور العلمي العالمي بما فيه فلسفة التنمية والاقتصاد المعاصر، ولذلك كان مصطلح النهضة رديفاً دائماً لمصطلح " التنمية " في الأدبيات العمانية .
و لعل من أهم ما ينتجه المصطلحان هو ذلك الارتكاز على الإنسان الذي هو محرك النهوض وقوام التنمية وهدفها ووقودها، ويحدثنا التاريخ المعاصر عن أمثلة مترادفة من الفلسفات والنظم التي ظلت الطريق فلم تستهدف الإنسان وجعلت منه وقوداً فحسب، فكان أن نفد الوقود واستهلك الإنسان وتهاوت التنمية، وسقط النموذج .
والمبادرة السامية لصاحب الجلالة السلطان المعظم ــ حفظه الله ورعاه ــ بتخصيص تلك الموازنة الضخمة لبرامج تنمية الموارد البشرية تأتي لتثبيت قيمة أساسية مفادها التمحور حول الإنسان والتركيز على بنائه ولترسخ مستقبلا قيمة الحراك الذاتي للنهضة واتجاهها نحو الفعل البنائي ذي الاستمرارية بعيدة المدى، وهو تحقيق للفرق الجوهري بين التنمية التي تملك أسس الديمومة والبقاء، وبين النمو ذي الطابع المتذبذب الذي يشبه ردات الفعل التي لا تقوم على قيم البنائية المنهجية المستمرة . والسلطنة هي إحدى الدول القلائل التي استخدمت مصطلح " النهضة " بما له شمول ومن استحقاقات ومدلولات وظلال تفرضها اللغة والمرجعية الحضارية والسياق التاريخي للمجتمع العماني، ويفرضها كذلك واقع التطور العلمي العالمي بما فيه فلسفة التنمية والاقتصاد المعاصر، ولذلك كان مصطلح النهضة رديفاً دائماً لمصطلح " التنمية " في الأدبيات العمانية .
و لعل من أهم ما ينتجه المصطلحان هو ذلك الارتكاز على الإنسان الذي هو محرك النهوض وقوام التنمية وهدفها ووقودها، ويحدثنا التاريخ المعاصر عن أمثلة مترادفة من الفلسفات والنظم التي ظلت الطريق فلم تستهدف الإنسان وجعلت منه وقوداً فحسب، فكان أن نفد الوقود واستهلك الإنسان وتهاوت التنمية، وسقط النموذج .
* ما بعد المكرمة استحقاقات المسؤولية :
بقدر ما تبهجنا المبادرات السامية،و تضيف إلى أعيادنا مزيداً من المسرات فإنها تحملنا المسؤولية وتوقفنا أفراداً ومجتمعاً ومسؤولين وحكومة أمام واجب الإمساك باللحظة، والاستثمار الأمثل ليس فقط لموازناتها التي تخصصها، بل ولرسائلها ومضامينها وقيمها التي تعلي أيضاً من قيمة التمكين للفرد العماني، وإتاحة الفرصة له والوثوق بقدراته والاستثمار فيها. ومن أهم هذه القيم التي تبثها هذه المضامين هو الحرص الدائم على استكمال المشهد وسد أي نقص في صورته، ولذا تأتي المبادرة السامية لتنص على دعم برامج تنمية الموارد البشرية وتخص بالعناية برامج البعثات الخارجية للدراسات العليا التي كانت تحتاج إلى دعم سريع على هذا المستوى وهذا الأفق العالي الذي يواكب طموح المجتمع العماني، والتضحيات الحقيقية التي يقدمها العمانيون من أجل تعليم أبنائهم وأنفسهم مهما كلف الأمر، فالمؤشرات تتضافر على أن العمانيين لا يزالون شعبا شغوفا بالمعرفة متطلعا للتسلح بها، ومدركا لكونها العامل الحاسم في تحسين نمط الحياة، واكتساب الوعي بالذات والاحترام الاجتماعي. وإذا كان هذا الدعم سيفتح الباب واسعاً أمام ابتعاث المزيد من الطلاب العمانيين في الجامعات الخارجية، فإنه سيدعو تلقائياً إلى توسيع وتنشيط برامج الماجستير والدكتوراة التي لا تزال محدودة جداً في جامعاتنا الوطنية الحكومية والخاصة، من أجل استدامة ذلك على المستوى الوطني.
* استثمار المبادرة والتوازن المطلوب :
إن دقة وتوازن توزيع فرص الابتعاث هو استحقاق ومسؤولية أخرى كبيرة، والدقة والتوازن تتعلق أولاً بتنويع دول الابتعاث والالتفات شرقاً بعض الشيء، لمزيد من تمتين العلاقات العلمية والأكاديمية، ولإثراء الخبرة العمانية بتجارب أكاديمية كان الاتصال بها محدوداً ــ نسبياًــ في الماضي القريب.
ومن ناحية أخرى يأتي التوازن والتنويع داخلياً على مستوى التخصصات التي نصت المكرمة السامية على أن تكون في المجالات التخصصية التي تحتاج إليها الدولة، وفيما يتعلق بهذه المجالات فإن اجتهاد البعض يضيق في توصيفها ويقصره على تخصصات العلوم التطبيقية التي يراها البعض "مجدية" استثمارياً، مع توهين مباشر أو ضمني من جدوى الابتعاث في العلوم والمعارف الإنسانية، ومن المؤكد أن إعادة التوازن في هذا الجانب هو أمر تفرضه معطيات عديدة وطنية وعالمية .
فعلى سبيل المثال لا يزال التراث العماني بكل ثرائه وتنوعه ومفاجآته ماثلاً بين أيديها، فأكثر من ثلاثين ألف مخطوط عماني ــ كما يقدرها الخبراء ــ تمثل تحدياً جدياً ومسؤولية هائلة في آن معاً، ليس تجاه الثقافة العربية فحسب بل والثقافة العالمية كذلك، ولا يزال التراث المحكي والشفهي بعيدا عن التوثيق الجدي والدراسة المعمقة، فرغم ما بذل من جهود لا يزال هذا التراث في أمس الحاجة للتحقيق والدراسة المنهجية الحديثة التي لم تتمكن برامج الدراسات العليا المحدودة في جامعاتنا من استيعابها، ومن الضرورة بمكان أن يكون لهذا الجانب دعمه المناسب، ومن المؤكد أن المبادرة السامية جاءت في وقتها على حين بدأت أيد ما تطال هذا التراث، بل وتسطوا على نتاجاته، وتنسبه إلى دول مقفرة ثقافياً تحتاج إلى ما يسند وجودها، لتنتحل لها تاريخاً وتراثاً أثله العمانيون ووضعوا فيه بصمتهم المميزة، وقدموه إلى الثقافة العربية والإنسانية .
كما أن مجالات حيوية ورحبة للبحث العلمي ما تزال أراض بحثية بكر قلما وجدت فيها دراسات ذات بال، وقلما وجد فيها باحثون أكفاء قادرون على استمرارية خدمتها وتلبية متطلبات المجتمع والتمنية منها ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر دراسات شؤون البيئة والمحافظة على الحياة الفطرية التي سجل العالم سبق السلطنة إلى العناية بها، بينما لا نجد لها إلا باحثين قلائل عنوا بها وتخصصوا فيها، ومن ذلك دراسات شؤون المجتمع والأسرة، إذ لا نجد فيها مرجعا علمياً واحداً يعتني ببنية المجتمع العماني ونسيجه الثقافي وخصائصه الاجتماعية المميزة له، وهو أمر في أقصى درجات الأهمية إذا ما أردنا فهم تغيرات المجتمع، وكيفية استجابته لمؤثرات التنمية وتفاعله معها، ولا أقصد هنا الدراسات التوثيقية بقدر ما أقصد الدراسات التحليلية التي تفضي إلى فهم التكوين الاجتماعي، وكيفية بنائه، ومشكلاته الماثلة والمتوقعة، كما أن مجالات علمية أخرى كالفلسفة والعلوم السياسية واللسانيات الحديثة وغيرها، تحتاج إلى مدد من الباحثين المتخصصين، وهم لا يزالون محدودي العدد في وطننا، ناهيك عما ينتجه اندماج العلوم من فروع علمية جديدة على المعرفة الإنسانية، في ظل التقارب المطرد بين العلوم التطبيقية والمعارف الإنسانية.
إن إعادة التوازن لهذا الجانب والعناية بهذا الشق من الدراسات هو أمر تفرضه المتغيرات التقنية التي صاحبت ثورة المعلومات، ودخول حقبة مجتمع المعرفة، التي ذابت فيها الفوارق بين القوى اللينة والقوى الصلبة، وغدت فيه الثقافة سلعة مدرة للأرباح واستثماراً مجزياً، فاللغة والتاريخ والأدب والبيئة عناصر ثقافية تنبني عليها صناعات حقيقية ذات عائد مادي تجد لها قنوات استثمارية عبر صناعة الإعلام، وصناعة السينما،
وصناعة السياحة، وصناعة النشر وصناعة تقنية المعلومات خاصة في شق المحتوى المعلوماتي الذي يقوم في المقام الأول على المضمون الثقافي والأداة اللغوية .
ومن هنا فإن الوعي بما هو مجد استثمارياً وما هو ضروري وتحتاج إليه الدولة ينبغي أن يتزحزح ليكون أكثر انفتاحاً وتوازناً وأكثر اقتراباً من المتغيرات التي تفرضها استحقاقات مجتمع المعرفة، لنتمكن من الوفاء بما توجبه علينا المكرمة السامية من استحقاقات ومسؤوليات .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق