بديّة تودع عالمها ومؤرخها والوالد المربي.
محمد بن سعيد الحجري
26 جمادى الآخرة 1436هـ
16 إبريل 2015م
يوم أمس نعت بدية إلى عمان وإلى علمائها ومؤرخيها وفقهائها والدنا وشيخنا وأستاذنا الشيخ عامر بن سعيد الحجري، الذي كان بقية الصالحين الأخيار، وألقاً من ذكريات الأبرار من "مطاوعة بدية"، الذين كان يحمل بين جنبيه روحهم وسيرهم، مع حنينه الأبدي لهم ولعالمهم بذكرياته وشخوصه ومواقفه.
أي كلام منا يمكن أن يفي هذا الرجل الكبير حقه!؟ وإن وفّى ببعض حقه أتراه يفي حق علمه الذي بثه ونشره، أتراه يفي حق تلك النفس الصالحة الرقيقة، وروحه الشفيفة، وتواضعه الجم، وعبرته الحاضرة وهو يستذكر الصالحين!؟
فلله ذلك الرجل الكبير، ولله تلك النفس المنغمسة في حب الله وحب رسوله وحب الصالحين من عباده، ولله تلك المودة التي تفيض على أبنائه وتلاميذه، يبدي بعضها ويكتم بعضها كأي مربّ حصيف حكيم! ولله تلك الذاكرة المتدفقة بتاريخ الوطن وأحداثه وأعلامه وأماكنه ومعالمه!
نعم ..حق علينا نحن أبناﺀه وتلاميذه أن نحيي ذكره ونضع اسمه وسيرته مثلاً ملهماً للأجيال، مثلما كان مثلاً ملهماً لجيلنا ولأجيالٍ من قبلنا، وعسى أن نقف في ذلك وقفات نؤدي فيها بعض حقه العظيم علينا.
كان شيخنا الأستاذ عامر بن سعيد رفيق والدي رحمه الله في رحلة الطلب الأول للعلم في نزوى مع الإمام محمد بن عبدالله الخليلي رحمه الله، ثم سارت بهما الحياة سيرها تعلماً وتعليماً ورحلة واغتراباً باحثين عن المعرفة، كانا رفيقي الصبا في رحلة نزوى وفي مجالس العلم في بدية مع الشيخ الشيبة محمد بن عبدالله السالمي والشيخ سعود بن عامر المالكي والشيخ علي بن ناصر الغسيني والشيخ أبي حميد حمد بن عبدالله السالمي، وغيرهم.
ثم تحركت الحياة بهما داخل الوطن وفي المهاجر تعلماً وتعليماً وعطاﺀ ليعود شيخنا الأستاذ عامر بن سعيد إلى الوطن بعد قيام النهضة العمانية، ليكون أحد مؤسسي النظام التعليمي الحديث في بدية مع تأسيس مدرسة الجلندى عام 1970، ومع ذلك فقد ظل شيخنا الأستاذ عامر وفياً لذكريات الأسلاف الصالحين متشبثاً بحلق العلم لم ينقطع عنها تعليماً وتوجيهاً وتربية، فأوقد الضمائر وشجع الشباب وأوقفهم على سير القدوات الصالحين، فعلّم ووجّه وربى، وحرك الهمم لتلتزم بواجباتها ومسؤولياتها تجاه المجتمع وتجاه التاريخ وتجاه الوطن.
رحمه الله وغفر له وجمعنا به في الصالحين.
اللهم اجزه عنا كل خير، واجزه خيراً عن الدين الذي عاش لأجله، اجزه خيراً عن عمان التي أحبها، وعن بدية التي عشق أرضها وإنسانها وعلمائها وصالحيها وذكرياتهم، اجزه خيراً عن الأجيال التي رباها، وعن المجتمع الذي خدمه، وعن الأخلاق التي بثها، والقيم التي ربى عليها...
*الصور مستخرجة من تسجيلات بالفيديو شرفت بتسجيلها معه عام 2003م حول تاريخ ولاية بدية.