حول خطاب جلالة السلطان
تأملات في المضامين القيمية والمسؤولية الوطنية
محمد بن سعيد الحجري - جريدة الرؤية
الثلاثاء 18 محرم 1436هـ/11 نوفمبر 2014م
الثلاثاء 18 محرم 1436هـ/11 نوفمبر 2014م
"وما كل طول في الكلام بطائلٍ
ولا كل مقصور الكلام قصير"
أبو مسلم البهلاني،،
أسبوع مرَّ منذ أن بُثّت الكلمة السامية لعاهل البلاد المفدى - حفظه الله - وما تزال الموجة العاطفية التي أنتجتها مستمرة حتى اللحظة، وهذا التلقي العاطفي العفوي هو أمر لا أرانا في حاجة لوصفه أو تفسيره، فقد عاشه كل منا بطريقته فتجاوز حدود التجربة الشخصية إلى أن يكون لحظة عاطفية جمعيّة نادراً ما تمر بها الشعوب، والعقل الجمعي العماني عاشها تجاه القائد الذي أعاد الروح الوطنية العمانية إلى أوج قوتها، ونسج علاقة فريدة بينه وبين شعبه سيتوقف أمامها التاريخ وأمام قيمها التي أسستها والنهج الذي صاغها، وكل منا ينظر إلى جلالته بوصفه أباً ووالداً كما ينظر إليه باعتباره سلطاناً وقائداً، إنّ تلك اللحظة العاطفية هي لحظة إنسانيّة بامتياز، ولاشك أنها ليست لحظة عاطفية للمواطنين الذين تلقوها فحسب، بل هي قبل ذلك لحظة إنسانية لمن قدمها مائدة من حب وفرح وشكر وتقدير لكل عماني، على حين كان هو لأول مرة يحتفل بالعيد الوطني فلا يكون في وطنه الذي بناه لبنة لبنة، ولا يكون بين مواطنيه الذين يرقبون ظهوره كل عام.
إن الخطاب على وجَازَتِه حمل من المضامين والرصيد الإنساني طاقة أحدثت كل ذلك الأثر المدهش؛ وإذا كانت خطابات القادة والزعماء تأتي لإحداث أثر على الجماهير ولتوجيهها وربطها بمصدر القرار والسياسات الأول، وهو تقليد سياسي لا يخلو منه أي نظام سياسي، فإن ذلك الخطاب قد أحدث من الأثر على الجماهير المتلقية ورفع من وتيرة المشاعر الوطنية ووثق من الروابط أضعاف ما قد تحدثه الخطابات السياسية الصرفة، لأن في طيه لغة خاصة توحي بها العبارات وتشع بها النبرات، وتفهم فحواها أذنُ تلقٍ جمعي تدرك ما معنى أن يقال لها هذا الكلام في هذه اللحظة وبهذه الصيغة وبهذا الإيجاز والتكثيف.
وإذا كنا جميعاً شركاء في حالة التلقي تلك فإننا كذلك لابد أن نكون شركاء في فهم مضامين سياسية وقيمية مهمة حملها الخطاب، فكل سياسة تنطوي على قيمة ومعنى وهدف، وسأتوقف لأركز هنا على نقاط يجب أن نقرأها من زاوية المسؤولية الوطنية، إضافة إلى نقطة تتعلق بقيمة كبرى تحملها خطابات جلالته وتلح عليها في كل مناسبة.
وأولها ما أشار إليه جلالة السلطان من أن هدف النهضة العمانية كان وما يزال بناء "دولة عصرية راسخة الأركان" وأن المضي في هذا الهدف لن يتوقف عند حد؛ لأنّ عمان "ماضية بكل عزيمة نحو مستقبل مشرق واعد من التطور والنماء"؛ إنّ النظر إلى المستقبل مهم للغاية هنا والإشارة إليه ليست بسطة آمال فحسب، بل علينا أن نفهم منه أن لا حدود للحلم كما أن التحديات لا تتوقف؛ وإذا كانت "النهضة" هي عنوان المشروع العماني، فإنّ مفهوم النهضة في ذاته ذو بعد حضاري وهو لا يتعلق بجانب من التطور الاقتصادي أو الاجتماعي أو السياسي بل هو مفهوم شامل تسير فيه أركان النهضة بتوازٍ وتناغم، وهذا التوازن هو الذي يضمن تجسيد مشروع النهضة في "الدولة الراسخة الأركان" لأن ما كان راسخ الأركان لا تهزه عواصف الدهر ولا زعازع الأزمات، ويواجه التحديات بعزيمة لا تلين.
وإذا كان تحليل معنى النهوض والنهضة أمر لا يتسع له هذا المقام، فإن تجسيد هذا المعنى في "الدولة الراسخة الأركان" أمر يجب أن نقرأه نحن من منطلق المسؤولية الوطنية، لنسأل أنفسنا ما الذي فعله كل منا ليزيد من ثبات الدولة الراسخة الأركان؟ وإذا كان هذا الحلم هو الذي ألهم جلالة السلطان أن يبذل له شبابه وجهد 44 سنة فكان مشروعه ومنجزه ومشروع الوطن ومنجزه، فما الذي نقدمه نحن اليوم ليستمر تحقيق هذا الحلم وليزداد ازدهاراً ورسوخاً وقوة؟ إنّ هذا السؤال يخاطب كل مواطن دون استثناء، المواطن الذي يقف اليوم على أي مصلحة من مصالح عمان في أي بقعة كانت، كما يتوجه إلى من يقودون مؤسسات وهيئات الوطن، لتكون فكرة "الدولة الراسخة الأركان" هي فلسفة العمل ومعيار الإنجاز، وأن ننفي كل ما يتعارض معها أو يشغب عليها.
إنّ النقطة الثانية التي يجب أن نقف أمامها على بعدها الإنساني في المقام الأول، هي حين توجه جلالة السلطان حفظه الله بشكره وتقديره إلى أبناء شعبه على مشاعرهم ودعواتهم، ودعا في ختامها الله بأن يحفظ أبناء عمان المخلصين ويرعاهم "كراماً أوفياء"، إذ في إشارة جلالته إلى الكرامة والوفاء باعتبارهما من القيم الأخلاقية العليا تنويه في ذاته إلى أنّ هذه العلاقة قامت بينه وبين شعبه على الوفاء المتبادل وعلى الكرامة، وإلى أنّه يشعر بهذا الوفاء المتدفق ويشكرهم عليه؛ وحين نقرأ هذا المعنى من منطلق المسؤولية الوطنية التي لا تستثني أحداً فإن الوفاء هو أحد القيم الكبرى التي صنعت المنجز الذي تعيشه عمان اليوم، الوفاء بالوعد الكبير بأن تكون عمان دولة راسخة، والوفاء بالحقوق التنموية لكل إنسان فيها، وأن يشعر مواطنها بالكرامة والشرف، وأن يقف أمام العالم ويقول بثقة وانفتاح بأنه عماني له وطن وله دولة تدرك انتماءها وتعرف تاريخها وتقدم رسالتها الحضارية.
أجل إنّ كل ذلك كان مساراً طويلاً وشاقاً من الوفاء لا حاجة لأن نفصل التحديات التي واجهته، وهو ليس وفاءً يتعلق بالحاضر وبأبنائه، بل هو كذلك وفاء لعمان ولتاريخها ولشهدائها ولتضحيات أبنائها وجهود أعلامها على امتداد حقب التاريخ لتبقى حرة ومستقلة، منتمية إلى دينها وحضارتها ولغتها ومنفتحة على العالم؛ وهذا الصدق والوفاء بهذا المعنى الواسع المتجاوز للحظة الواقع هو ذاته الذي نحتاجه اليوم لنحافظ على ما أنجز ولنعظِّمه ولنكثره، ومرة أخرى على كل واحد منا أن يسأل نفسه اليوم أين هو من هذا الوفاء؟ فهذه القيم الحاكمة لا تعرف ازدواجية التطبيق، فما الذي يبذله كل منا ليحمي هذا المنجز ولتوسيعه والعبور به إلى المستقبل، وتجاوز كل ما يمكن أن يواجهه من تحديات، وكيف نكون أوفياء للمشروع الحضاري بالدولة الراسخة الأركان؟!
إن هذه التساؤلات المتعلقة بالمسؤولية الوطنية لكن منا هي تساؤلات عامة تتفرع عنها تساؤلات تفصيلية عددها بعدد كل مصلحة من مصالح الوطن والمواطن، وكل وزارة أو هيئة أو وحدة إدارية أو خدمية، وكل موقع ووظيفة، وكل تخطيط وكل مشروع وكل قرار، فهذا المشروع الحضاري بالدولة الراسخة الأركان هو مشروع لكل عماني بغض النظر عن المواقع والمراتب، والله سائل كلاً منا أحفظ أم لم يحفظ؟ وفّى أم لم يفِ؟ وأمل جلالة السلطان أن يحفظنا الله جميعاً كراماً أوفياء.
إن التحية والتقدير التي يوجهها جلالته للقوات المسلحة هو أحد مظاهر التجسيد لهذا الوفاء وهو تعبير عن عرفان العمانيين جميعا لأبناء القوات المسلحة، وهو حق على كل عماني أن يشعر به حين يأوي إلى بيته آمناً مطمئنا، لكنه أيضاً إشارة ضمنية بأن مؤسسة القوات المسلحة هي حارسة على كل هذا المنجز في عالم شديد المخاطر وبالغ التعقيد، وجميعنا نرى اليوم في هذا العالم الذي يُفجأ بالأزمات بأنّ القوى النظامية المسلحة هي ضمانة أساسية لدولة المؤسسات الراسخة الأركان.
إن ثمة قيمة مضاعة في عالم اليوم الذي يتعاظم تعويله على الأسباب دون المسبب، ولكنّها قيمة حاضرة في كل خطاب لجلالته ولا تفارق أي خطاب بوجه أو بآخر، تلك هي قيمة الاعتماد على الله والتعويل على عنايته ومدده، وشكر توفيقه وتسديده؛ ذلك لأنّ القوى والموارد والإمكانات هي آثار لنعمته، وأن حسن تدبيرها هو قيام بحق المنعم والنعمة؛ ومن يعرف كيف تمضي حياة البشر اليوم إلى مزيد تعقيد وإبهام في الحسابات والتوقعات حتى لتكاد تتساوى الخيارات في كثير من الأحيان، وتُجهل آثار كثير من السياسات، وتقف فيه النظم والاقتصادات أمام خيارات صعبة وقرارات حرجة، ليدرك تماماً مدى الحاجة للتوفيق الإلهي ليهب الحكمة ويوجه للرشد ويهدي إلى الصواب... وكلنا نتوجه مع قائد البلاد بالدعاء إلى الله أن يحيط عمان وسلطانها وأهلها برعايته وحفظه وتوفيقه.
والحمد لله أولًا وآخراً..
وإذا كنا جميعاً شركاء في حالة التلقي تلك فإننا كذلك لابد أن نكون شركاء في فهم مضامين سياسية وقيمية مهمة حملها الخطاب، فكل سياسة تنطوي على قيمة ومعنى وهدف، وسأتوقف لأركز هنا على نقاط يجب أن نقرأها من زاوية المسؤولية الوطنية، إضافة إلى نقطة تتعلق بقيمة كبرى تحملها خطابات جلالته وتلح عليها في كل مناسبة.
وأولها ما أشار إليه جلالة السلطان من أن هدف النهضة العمانية كان وما يزال بناء "دولة عصرية راسخة الأركان" وأن المضي في هذا الهدف لن يتوقف عند حد؛ لأنّ عمان "ماضية بكل عزيمة نحو مستقبل مشرق واعد من التطور والنماء"؛ إنّ النظر إلى المستقبل مهم للغاية هنا والإشارة إليه ليست بسطة آمال فحسب، بل علينا أن نفهم منه أن لا حدود للحلم كما أن التحديات لا تتوقف؛ وإذا كانت "النهضة" هي عنوان المشروع العماني، فإنّ مفهوم النهضة في ذاته ذو بعد حضاري وهو لا يتعلق بجانب من التطور الاقتصادي أو الاجتماعي أو السياسي بل هو مفهوم شامل تسير فيه أركان النهضة بتوازٍ وتناغم، وهذا التوازن هو الذي يضمن تجسيد مشروع النهضة في "الدولة الراسخة الأركان" لأن ما كان راسخ الأركان لا تهزه عواصف الدهر ولا زعازع الأزمات، ويواجه التحديات بعزيمة لا تلين.
وإذا كان تحليل معنى النهوض والنهضة أمر لا يتسع له هذا المقام، فإن تجسيد هذا المعنى في "الدولة الراسخة الأركان" أمر يجب أن نقرأه نحن من منطلق المسؤولية الوطنية، لنسأل أنفسنا ما الذي فعله كل منا ليزيد من ثبات الدولة الراسخة الأركان؟ وإذا كان هذا الحلم هو الذي ألهم جلالة السلطان أن يبذل له شبابه وجهد 44 سنة فكان مشروعه ومنجزه ومشروع الوطن ومنجزه، فما الذي نقدمه نحن اليوم ليستمر تحقيق هذا الحلم وليزداد ازدهاراً ورسوخاً وقوة؟ إنّ هذا السؤال يخاطب كل مواطن دون استثناء، المواطن الذي يقف اليوم على أي مصلحة من مصالح عمان في أي بقعة كانت، كما يتوجه إلى من يقودون مؤسسات وهيئات الوطن، لتكون فكرة "الدولة الراسخة الأركان" هي فلسفة العمل ومعيار الإنجاز، وأن ننفي كل ما يتعارض معها أو يشغب عليها.
إنّ النقطة الثانية التي يجب أن نقف أمامها على بعدها الإنساني في المقام الأول، هي حين توجه جلالة السلطان حفظه الله بشكره وتقديره إلى أبناء شعبه على مشاعرهم ودعواتهم، ودعا في ختامها الله بأن يحفظ أبناء عمان المخلصين ويرعاهم "كراماً أوفياء"، إذ في إشارة جلالته إلى الكرامة والوفاء باعتبارهما من القيم الأخلاقية العليا تنويه في ذاته إلى أنّ هذه العلاقة قامت بينه وبين شعبه على الوفاء المتبادل وعلى الكرامة، وإلى أنّه يشعر بهذا الوفاء المتدفق ويشكرهم عليه؛ وحين نقرأ هذا المعنى من منطلق المسؤولية الوطنية التي لا تستثني أحداً فإن الوفاء هو أحد القيم الكبرى التي صنعت المنجز الذي تعيشه عمان اليوم، الوفاء بالوعد الكبير بأن تكون عمان دولة راسخة، والوفاء بالحقوق التنموية لكل إنسان فيها، وأن يشعر مواطنها بالكرامة والشرف، وأن يقف أمام العالم ويقول بثقة وانفتاح بأنه عماني له وطن وله دولة تدرك انتماءها وتعرف تاريخها وتقدم رسالتها الحضارية.
أجل إنّ كل ذلك كان مساراً طويلاً وشاقاً من الوفاء لا حاجة لأن نفصل التحديات التي واجهته، وهو ليس وفاءً يتعلق بالحاضر وبأبنائه، بل هو كذلك وفاء لعمان ولتاريخها ولشهدائها ولتضحيات أبنائها وجهود أعلامها على امتداد حقب التاريخ لتبقى حرة ومستقلة، منتمية إلى دينها وحضارتها ولغتها ومنفتحة على العالم؛ وهذا الصدق والوفاء بهذا المعنى الواسع المتجاوز للحظة الواقع هو ذاته الذي نحتاجه اليوم لنحافظ على ما أنجز ولنعظِّمه ولنكثره، ومرة أخرى على كل واحد منا أن يسأل نفسه اليوم أين هو من هذا الوفاء؟ فهذه القيم الحاكمة لا تعرف ازدواجية التطبيق، فما الذي يبذله كل منا ليحمي هذا المنجز ولتوسيعه والعبور به إلى المستقبل، وتجاوز كل ما يمكن أن يواجهه من تحديات، وكيف نكون أوفياء للمشروع الحضاري بالدولة الراسخة الأركان؟!
إن هذه التساؤلات المتعلقة بالمسؤولية الوطنية لكن منا هي تساؤلات عامة تتفرع عنها تساؤلات تفصيلية عددها بعدد كل مصلحة من مصالح الوطن والمواطن، وكل وزارة أو هيئة أو وحدة إدارية أو خدمية، وكل موقع ووظيفة، وكل تخطيط وكل مشروع وكل قرار، فهذا المشروع الحضاري بالدولة الراسخة الأركان هو مشروع لكل عماني بغض النظر عن المواقع والمراتب، والله سائل كلاً منا أحفظ أم لم يحفظ؟ وفّى أم لم يفِ؟ وأمل جلالة السلطان أن يحفظنا الله جميعاً كراماً أوفياء.
إن التحية والتقدير التي يوجهها جلالته للقوات المسلحة هو أحد مظاهر التجسيد لهذا الوفاء وهو تعبير عن عرفان العمانيين جميعا لأبناء القوات المسلحة، وهو حق على كل عماني أن يشعر به حين يأوي إلى بيته آمناً مطمئنا، لكنه أيضاً إشارة ضمنية بأن مؤسسة القوات المسلحة هي حارسة على كل هذا المنجز في عالم شديد المخاطر وبالغ التعقيد، وجميعنا نرى اليوم في هذا العالم الذي يُفجأ بالأزمات بأنّ القوى النظامية المسلحة هي ضمانة أساسية لدولة المؤسسات الراسخة الأركان.
إن ثمة قيمة مضاعة في عالم اليوم الذي يتعاظم تعويله على الأسباب دون المسبب، ولكنّها قيمة حاضرة في كل خطاب لجلالته ولا تفارق أي خطاب بوجه أو بآخر، تلك هي قيمة الاعتماد على الله والتعويل على عنايته ومدده، وشكر توفيقه وتسديده؛ ذلك لأنّ القوى والموارد والإمكانات هي آثار لنعمته، وأن حسن تدبيرها هو قيام بحق المنعم والنعمة؛ ومن يعرف كيف تمضي حياة البشر اليوم إلى مزيد تعقيد وإبهام في الحسابات والتوقعات حتى لتكاد تتساوى الخيارات في كثير من الأحيان، وتُجهل آثار كثير من السياسات، وتقف فيه النظم والاقتصادات أمام خيارات صعبة وقرارات حرجة، ليدرك تماماً مدى الحاجة للتوفيق الإلهي ليهب الحكمة ويوجه للرشد ويهدي إلى الصواب... وكلنا نتوجه مع قائد البلاد بالدعاء إلى الله أن يحيط عمان وسلطانها وأهلها برعايته وحفظه وتوفيقه.
والحمد لله أولًا وآخراً..